للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ضرورة مجهولة لا يدرك سرها. وهذا تعليل مقبول يصح لنا أن نكتفي به حتى نوفق إلى خير منه. ويزعم الفرس أن المسيطرين على الدنيا إلهان - إله خير (هورمز) وإله شر (هرمن) وهذان لا يفتآن في حرب دائمة. وهذا تعليل لا بأس به. أما قولهم أن إلهاً يخلق هذه الدنيا المملوءة بالهموم والكرب والأحزان لمجرد خاطر خطر بباله وهوى نشأ في نفسه ولأنه أراد أن يلهو ويتلذذ بهذا العمل حتى إذا فرغ منه أخذ يصفق بيديه إعجاباً بصنعه وصاح قائلاً أن كل ما صنعته حسن جميل - فهذا لا يصح أن يقال به.

وعندي أن أحسن تعليل يمكن تقديمه في هذا الصدد هو أن نتوهم أن وجودنا في هذه الدنيا هو عقاب يوقع علينا لذنب جنيناه في عالم سابق لهذا. وأنا كذرية الرجل الفاسق نخرج إلى الدنيا مثقلين بجريمة سلفنا. وأن ما نكابده من الآلام ليس إلا تكفيراً لتلك الجريمة وهذا التكفير هو الوسيلة الوحيدة للبراءة والخلاص.

فإذا أردت الراي الصحيح في تقرير حقيقة هذه الدنيا والمنهج السديد للسير فيها فما عليك إلا تعدها كدار للندم والتوبة أعني (كإصلاحية المجرمين) كما ورد في مذاهب البراهمة والبوذيين وآراء فلاسفة اليونان أمثال فيثاغورس وأمبوريكليس وكما قال (شيشرون) وصرح فانيني الذي رأى معاصروه أن إعدامه بالنار أسهل عليه من إبطال برهانه - والذي قال بصريح العبارة (لقد أفعم الإنسان بجميع أصناف البؤس والألم والبلاء فلولا محاذرتي مناقضة الدين المسيحي لقلت أن بني البشر ليسو إلا أبالسة متقمصين أجساماً آدمية يكفرون الآن عن سالف ذنوبهم بمكابدة أصناف العذاب والبؤس.

فإذا عودت نفسك أن ترى في الحياة هذا الرأي لم تجد الدنيا في أحزانها وآفاتها وآلامها إلا جارية على سننها. منتجة لتلك الثمرات التي هي أشبه ببذورها وأليق بجذورها. وأصبح عجيب الزمان غير عجيب. وغريب الحدثان غير غريب. وألفيت أن كل شيء هو كما ينتظر وينبغي أن يكون - في هذه الدنيا التي يعيش فيها كل امرئ ليكفر باحتمال الهموم والمحن عن سالف جريمة البشر في حياة غابرة. وليعلم القارئ أن من أسوأ سيئات إصلاحية المجرمين (كناية عن الدنيا) كما تقدم رداءة الوسط وسوء الخليط. وحسبك أن أفراد مثل هذه الإصلاحية هم قوم مجرمون. فإذا كنت أيها القارئ لسوء حظك أكرم جوهراً وأطيب عنصراً م السواد الأعظم من معاشريك وزملائك في السجن فأنت تحمل بين جنبيك