للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

كالتبغ والأفيون وصنوف الخمر - دع التأنق في الملبس والمركب والمسكن والتفنن في ضروب الفرش وآلات الزخرف والزينة.

ويجيء بعد ذلك مصدر غريب للسرور وبالتالي للألم - وهذا المصدر قد أوجده الإنسان لنفسه وهو بعض نتائج ملكة التأمل والتخيل الآنفة الذكر وهذا المصدر يجشم الإنسان من المتاعب أضعاف أضعاف قيمته - يجشمه أكثر مما يتكلف في سبيل سائر مشاغله ومهامه برمتها - وأعني بهذا المصدر خلة الطمع والطموح إلى الجاه والمنصب وابتغاء المدح والخوف من الذم - أو بعبارة أوضح اهتمام المرء بآراء الناس فيه.

وهنا نحاول أن نشرح على وجود الشر في الدنيا وكونها مبنية على الآلام مطبوعة على الأكدار والهموم والآفات. ونقارن من هذه الوجهة بين مختلف العقائد والأديان لنرى أيها أشد التئاماً مع الواقع وأكثر انطباقاً على حقيقة الحياة فنقول: يزعم البراهمة أن الإله براهما خلق الدنيا بطريق الخطأ والزلل. وللتكفير عن هذه الحماقة أجبر نفسه على البقاء في الدنيا بنفسه حتى يكفر بذلك عن سيئته فينال العفو والغفران المؤدي إلى الفكاك والخلاص. وهذا في رأيي تعليل حسن بديع لخلق الدنيا وإيجاد العالم. ويزعم البوذيون أن سبب نشوء الدنيا هو حدوث تشويش - مجهول الكنه والعلة - في سكينة صفاء العالم السماوي - نيرفانا - (هو عند البوذيين عالم الخلود والراحة الذي تنتقل إليه أرواح الصالحين باتباع وصايا دينهم ولزوم سننه. وفي هذا العالم تنقذ الأرواح من آفة التناسح أي تكرار العودة إلى الدنيا - دار الردى وقرارة الأكباد - في أجسام جديدة). وأن هذا التشويش الذي طرأ على نيرفانا إنما حدث بطريق النحس والشؤم أي بلا علة. وهذا يشبه نظرية تكوين الدنيا عند علماء الطبيعة إذ يقولون أن الشمس التي هي أصل هذا العالم الأرضي ومنبعه كانت في الأصل (أي قبل ظهورها في صورة شمس) قطعة من غيم لا يعرف كيف تكونت. ثم يزعم البوذيون أنه بعد تكون الدنيا في عالم نيرفانا بواسطة ذلك التشويش الذي حدث في ذلك العالم - لم تزل هذه الدنيا تنتقل من حالة سيئة إلى حالة أسوأ (وهذا مناظر لما ورد في مقال علماء الطبيعة من تطور العالم الأرضي أثناء التكون من نظام إلى نظام) إلى أن وصلت إلى حالة البؤس والشقاء التي هي عليها الآن. وهذا أيضاً تعليل بديع لخلقة الدنيا وحالتها! وذهب اليونان إلى أن وجود الآلهة والدنيا هو أمر أوجدته