للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وتأييد الحق وجل همهم الدرهم والوسام ووظيفة الحكومة.

قد ذكرت القارئ أن كل سرور في هذه الدنيا سلبي في كنهه وماهيته أعني أنه خلاص نمن الألم الذي هو العنصر الإيجابي في الحياة ينتج عن هذا أن سعادة أي مخلوق تقاس لا بمسراتها وملاذها بل مقدار خلوها من الألم من الشر الإيجابي. إذا كان ذلك أساس الموضوع فالحيوان إذن أسعد من الإنسان. وهنا نأخذ في هذا المبحث بطريقة أدق وأعمق.

أنه مهما تعددت أشكال السعادة والشقوة البشرية فالأساس الجوهري في جميعها هو اللذة أو الألم البدني. وهذا الأساس محدود جداً: إذ لا يتعدى الصحة والغذاء والوقاية من الحر والبرد والبلل والشهوة الجنسية. أو فقدان كل هذه الشياء. عليه فالإنسان من وجهة اللذة البدنية ليس أحسن حالاً من الحيوان إلا من حيث كونه أشد منه إحساساً وأرهف شعوراً بكافة أصناف اللذة لتفوقه عليه في وظائف الجهاز العصبي وقابلياته - على أنه لعين هذا السب يكون أيضاً أشد من الحيوان شوراً بكافة ضروب الألم. ولكن أي فرق هائل بينه وبين الحيوان من حيث سورة الانفعالات واضطرام نيرانها وبعد أعماقها! ومع ذلك فالنتيجة في كلتا الحالتين واحدة - أعني تحصيل الصحة والغذاء والملبس وهلم جرا.

وأهم مصادر هذه الانفعالات هو اشتغال الذهن بالماضي والمستقبل ولهذا أثر شديد في كل ما يصنعه الإنسان. وهذا أيضاً هو المنبع الحقيقي لهمومه وأكداره ومخاوفه وآماله - تلك الانفعالات التي لها من الأثر في نفسه ما هو أشد وأبلغ مما لحاضر الآلام واللذات في نفس الحيوان الذي لا يعرف غير الحاضر ولا قدرة له على الاشتغال بالماضي والمستقبل. وكذلك نرى أن ملكة التأمل وذكرى الماضي والنظر في المستقبل - هذه الملكة تنزل من الإنسان منزلة آلة وظيفتها حشد الآلام والملاذ وتكثيفها وخزنها في وعاء قلبه. ولكن الحيوان ليس له شيء من هذا القبيل. فكلما لحقه ألم كان كأنما أصابه لأول مرة في حياته وإن كان قد وقع فيه قبل ذلك آلاف المرات. فهو لا قدرة له على استجماع إحساساته. ومن ثم ما يلاحظ فيه من عدم الاكتراث والمبالاة: - نعمة يحسده عليها الإنسان - هنيئاً له!.

ولكي يضاعف الإنسان لذاته عمد بمحض إرادته إلى مضاعفة مطالبه وحاجاته - وكانت في الأصل معادلة لحاجات الحيوان في سهولة الطلب، ومن ثم كان الترف في جميع صوره وأشكاله: من طعمة لينة وحسوة مساغة وما إليهما من مناعم المطاعم ومطارب المشارب