للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وهذا الشعور بخيبة الحياة الذي يعتري الرجلين عند اللقاء يتسلط على نفسيهما ويتغلب على كل شعور آخر حتى أنه لعظمه وشدته يأبى أن يبرز في صورة التعبير ويأنف أن يفيض على عذبة اللسان. ولكنه يبقى حاضراً في الوجدان وصبح أساساً يبنى عليه كل ما يدور بني الرجلين من القول.

من امتد به الأجل حتى أدرك جيلين من الناس أو ثلاثة كان كمن جلس مدة في خيمة (الحاوي) فشاهد ألاعيبه دفعتين أو ثلاثاً متواليات. فغرابة هذه الألاعيب ودهشتها هي في مشاهدتها مرة واحدة حتى إذا ما فنيت جدتها وانكشفت خدعتها زالت الغرابة عنها والروعة.

ومع أنك لا تجد في طول الأرض وعرضها من هو خليق أن يحسد على حظه وقسمته فإنك لتجد الملايين الذين لا يستوجبون منك غير الرثاء والرحمة.

إنما الحياة تكاليف فرض علينا أداؤها. وحمل قدر لنا أن نسير به في غاية، وإن ساعة الفراغ من هذا العمل الشاق وطرح هذا الثقل الفادح - أعني ساعة الخلاص والراحة المنشودة المشتهاة، إنما هي ساعة الموت.

أرأيت لو أن خروج الجنين إلى هذا العالم كان بمحض إرادته واختياره أكان يجرأ على الخروج إليه مخلوق. أم كنت تجد على ظهرها إنساناً؟ ولو كان واضع النطفة يضعها عن ترو وتدبر وحساب للعواقب - لا عن غريزة عمياء - أكنت تجد في الناس من تبلغ به القسوة وغلظة الكبد أن يتسبب في إيجاد من يعلم أنهم سيحملون عبء الحياة الفادح ويتجرعون غصصها المضاضة؟

أنا أعلم أن الكثيرين سيعترضون على فلسفتي بأنها داعية إلى اليأس والقنوط خالية من دواعي الانشراح والإنس وإن الناس يؤثرون أن يقال لهم أن الخير فيما اختاره الله وكل ما قضاه جميل. ألا فاذهبوا إلى قساوستكم أيها الناس ودعوا الفلاسفة وشأنهم وعلى كل حال لا تكلفونا أن نلائم بين آرائنا وبين ما تعلمتموه في الكنائس. ألا إنا لن نجيبكم إلى هذه الدعوة ما بقي فينا عرق ينبض. ولسان ينضنض ولكن امضوا إلى أدعياء الفلاسفة وغشاشيهم فإنهم لن يبخلوا عليكم بما تطلبون. اذهبوا إلى هيجل وصاحبيه فيشتي وشلنج وشيعتهم فقد أخذوا على عاتقهم ا، يعلموا مذهب (التفاؤل بالخير) ولو علموا أنه مناقض للحق. وما لهم