للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وبماذا يسدون فراغ أوقاتهم؟ هب الحياة كانت جنة نعيم وفردوس لذة وأنهارً من لبن وعسل مصفى وخمرة لذة للشاربين حيث كل (كثير) يفوز بعزته وكل جميل يظفر ببثينته بلا تعب ولا مشقة إذن لمات الناس مللاً وسآمة أو لشنقوا أنفسهم ضيقاً وضجراً أو لشبت الحروب والمجازر حتى ترى الناس يلحقون بأنفسهم من البلاء أضعاف ما تنالهم به الطبيعة الآن.

الناس في حداثة السن وريعان الصبا كغلمان بدار تمثيل ينتظرون رفع الستار تراهم فرحين متهللين يتلهفون على ابتداء الرواية فمن نعمة القدر علينا جهلنا بما يسدل عليه الستار وما هو مخبوء وراء المسرح. فنحن إذ ذاك كالمساجين الأبرياء المحكوم عليهم لا بالموت لكن بالحياة غير أنا لا نزال نجهل معنى ذلك الحكم. وكلنا مع ذلك يشتهي امتداد الأجل وبلوغ أرذل العمر - يشتهي بلوغ الحالة التي يقول فيها المرء (اليوم شر وغداً شر من اليوم وهكذا حتى يجيء من الأيام شرها وأسوأها).

وأنت لو حاولت توهم كل ما تشرق عليه الشمس في مسيرها من كدر وغم وعناء وبؤس وعذاب على اختلاف ضروبها وأصنافها لتمنيت لو أن الشمس لم تقدح شرارة الحياة من هذه الكرة الأرضية ولم تستل ظاهرة الحياة من جوفها وأن ظهر الأرض لم يزل كسطح القمر في حالة تبلور.

وأنك لو تأملت الحياة لوجدتها شيئاً عديم النفع والجدوى وحادثاً مكدراً لصفاء سكينة العدم. وهب أنك ظفرت من الوجود بعيشة محتملة لا باس بها مرضية بالنسبة لغيرها لكنت الجدير بعد هذا كله أن تعد حياتك على الإجمال خيبة وفشلاً بل خدعة وغروراً.

لو أن رجلين مما كانوا أصدقاء في حداثة السن تقابلا في الشيخوخة بعد افتراقهما طول العمر لكان أوى ما يخامر نفسيهما من الشعور ذ ذاك هو الإحساس بخيبة الحياة على الإجمال. وذلك لأن خواطرهما تكر راجعة في هذه اللحظة إلى زمن الشبيبة وعصر الصبا إذ غرة السعد ضاحكة متبلجة، وجذوة الأمل ذاكية متأججة.

وماء الندي عذب اللصاب مرقرق ... وعود المنى وحف النبات رطيب

وإذ ساحة العيش منفسحة لأعينهما تتألق في سنا فجرها الأرجواني وتختال في برد نورها القاني فيا طيب ما وعدت وما عللت. ويا خبث ما أعطت وما نولت.

فلا يغرنك ما منت وما وعدت ... إن الأماني والأحلام تضليل