للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وهؤلاء لا يتعلقون بالعصور السياسية إلا من أضعف الجهات الأدبية كما هو واضح في التاريخ العربي على الخصوص.

قال الرافعي ولذلك رأينا الطريقة المثلى أن نذهب في تأليفنا مذهب الضم لا التفريق وأن نجعل الكتاب على الأبحاث التي هي معاني الحوادث لا على العصور فنخصص الآداب بالتاريخ لا التاريخ بالآداب كما يفعلونه وبذلك يأخذ كل بحث من مبتدئه إلى منتهاه متقلباً على كل عصوره سواء اتسقت أم افترقت فلا تسقط مادة من موضعها ولا تقتسر على غير حقيقتها ولا تلجأ إلى غير مكانها ثم لا يكون بعد ذلك في التاريخ إلا التاريخ نفسه لا ما يزين به من العبارة المونقة ولا ماتوصل به الحقائق القليلة من تصورات الخيال وشعر التأليف إلى أمثال ذلك من مواضع الاستكراه وضيق المضطرب وأمثلته فيما بين أيدينا ماثلة لا تحتاج إلى انتزاع وهي على نفسها شاهدة فلم يبق في أمرها نزاع.

وقد جعل أبواب كتابه اثني عشر باباً ضمن الجزء الأول منها بابين اثنين وهما باب اللغة وباب الرواية والرواة وقدم بين يدي ذلك فصلين في تاريخ كلمة الأدب وفي أصل العرب.

وأكثر ما تراه من الفصول في باب اللغة مبتكر لم يسبق إليه وخصوصاً آراءه الاجتماعية التي طبق عليها تاريخ اللغة اما باب الرواية فهو بجملته ابتكار محض لم يسبقه إليه متقدم ولا متأخر.

ولا نعلم أحداً اجترأ عليه مع أن التاريخ لا يتحقق إلا به لمجيء كل الآداب العربية من طريق الرواية وقد وضع هذا الباب في نحن ١٦٠ صفحة تحتوي على فرائد اثيرة وفوائد كثيرة مما يعز العثور عليه ويندر التوفق إليه.

وبالجملة فأنت تقرأ هذا الجزء من أوله إلى آخره فتستمرئ أسلوبه الفصيح البارع الذي يكفي في وصفه أن يقال أنه من قلم الرافعي وتستغزر مواده النادرة غير أنك لا ترى في وضع مثله صعوبة إذ تجد نهج التاريخ. واضحاً ونسقه مطرداً واذ لا تجد حشوا ولا تكلفا ولا تعسفا ولا اضطرابا ولا نحو ذلك مما يدل على الحيرة وتقطع المادة ونضوب البيان وهي أخص عيوب الكتب التي وضعت في تاريخ الآداب ولكنك لو تماديت في ظنك وأردت أن تتحقق سهولة العمل من صعوبة وحملت نفسك على معارضة فصل واحد مما في الكتاب لأنفقت زمناً طويلاً ثم لا ترى إلا أنك أصبحت تقلب كفيك على ما أنفقت لأنك