للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وشاء الله أن علائم الحب وأماراته بدت في وجه الفتى والفتاة لأعين الأخوين صاحبي القصر فأفضى كل منهما بظنونه إلى أخيه فألفى كل في الآخر مصدقاً لتلك الظنون ومحققاً. واستشاطا غضباً أن يكون أجيرهما وخادمهما لأختهما عاشقاً وبودها وحبها ظافراً فائزاً، وهي التي أرادا أن يزوجاها من حسيب نسيب واسع الثروة عريض الجاه. ثم أفضى بهما التشاور والتآمر إلى استدراج لورنزو إلى بعض مغامض الغابات وذبحه هنا.

ففي ذات صبحا صحو منير عمدا إليه وكان متكئاً على سياج الحديقة فقالا: أسعد الله صباحك يا لورنزو. أنا في حاجة إليك الساعة. هلم إلى جوادك فاسرجه واركب قبل أن تحتدم شمس الظهيرة. فقد عزمنا أن نسير ثلاثة فراسخ في ناحية الإبينين أسرع يا رعاك الله قبل أن توقد الهاجرة. فانحنى الفتى تحية للسيدين ومضى مسرعاً ليأخذ أهبة السفر.

وفي أثناء مسيره إلى ساحة القصر جعل يتلفت لدى كل خطوة عل عينه تظفر بشخص حبيبته المحبوب أو أذنه بصوتها العذب اللذيذ فإنه لكذلك إذ سمع رنين ضحكة حلوة النغمة تهبط عليه من عل فرفع بصره فرأى وجهها المليح يطالعه من خلل الأستار تضيء ملامحه ابتسامة الجذل والسرور.

فقال: حبيبتي إيزابلا! كنت أخشى أن أذهب ولا أودعك، ويلي أيتها الحبيبة ماذا يكون من أمري إن فرق الدهر بيننا إذا كانت غيبة ساعة من الزمن تكاد تقتلني حسرة وغماً؟ ولكنا سنأخذ من الليل السخي الكريم أضعاف ما يأخذ منا النهار المجرم الأثيم. وداعاً أيتها الحبيبة وداعاً إلى حين. سأعود بعد بضع ساعات. فردت عليه إيزابلا سلام الوداع ومضى لورنزو وهي تشيعه بلحظها الطماح. وسجعها المطرب الصداح. وكذلك ركب الأخوان وفريستهما وبرحا بلدة فلورنسا إلى حيث نهر الأرنو ينسجم مسيله. ويدوي صليله وتحنو عليه الأدواح وتمسح جبينه الرماح ثم نفذ الثلاثة إلى جوف الغابة وهناك ذبحا الفتى ودفناه وهنالك انقطع تيار حبه الزاخر وخبا كوكب غرامه الزاهر.

ثم عادا وأخبرا إيزابلا أن لورنزو أبحر إلى بلد قاص في بعض شؤونهما التجارية وأنها آثراه بهذه الرحلة على غيره لفرط ثقتهما به وتعويلهما عليه. مسكينة إيزابلا! البسي الحداد، والزمي الأرق والسهاد، واستشعري اليأس واطرحي الرجاء، فلن ترين لورنزو ما أظلت الأرض السماء.