للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

على لمس يدك الطاهرة مخافة أن تتألم من مس أناملي ولا أكاد أحدق في عينيك خشية أن تنكر ألحاظك ألحاظي تأففاً وضجراً ولكني لا أستطيع البقاء في الدنيا ساعة أخرى ما لم أبح لك بحبي. وهكذا تجرأت شفتاه فامتزجتا بشفتيها في حديث صامت معسول لقد فازا بنعمة الدهر ولذة العمر وشبت بينهما السعادة ناضرة جنية شباب الزهرة الندية في ريعان الربيع.

ثم افترقا إلى حين وكأنهما لفرط السرور يطآن أديم الهواء. وكأنهما وردتان توأمتان فرق بينهما النسيم ولكن إلى وشك انعطاف، وسرعة التئام وائتلاف، فما هي إلا برهة ثم تلتقي الوردتان فتنفث كل في فؤاد أختها عبيرها الفياح. وأريجها النفاح. وهكذا مضت لإيزابلا إلى خدرها المصون فأخذت تشدو بأغاريد الغرام والمنى المشرقة. ومضى لورنزو وثاب القدم إلى ربوة مشرفة فاستقبل الغرب والشمس تجنح للمغيب ثم ودع النور وخلا إلى نفسه في حمرة الشفق يتأمل وجه سعادته الأغر. ويتنشق أريج نعيمه العطر. ويرفل في برد أمله القشيب. ويمرح في روض أنسه العشيب.

فلما أسفر الصباح هرعا إلى مكان خفي في ألفاف الرياض فتقابلا في غرة البكور

من قبل أن ترشف شمس الضحى ... ريق الغوادي في ثغور الأقاح

وما زال شأنهما ذلك يلتقيان في البكرة والأصيل في سرادق من الورد والياسمين مستتر من العيون محتجب عن الظنون بعيد عن ألسن الوشاة والرقباء ألا ليت الحال دامت كذلك فلم يصبح حديثهما مرتع المغتاب وملهى السمار ومتعة الأصحاب.

أفهل كانا إذ ذاك من الأشقياء؟ كلا. إن قطرة من النعيم في حياة العشاق ترجح بمرارة بحر آلامه الجياش وترد ملوحته عذوبة. وكم ينال منا العشاق غير ذلك من نفحات عطف ورحمة ومواهب رثاء ورقة. كم نرسل عليهم من الدموع والزفرات وكم نقرأ لهم من محزون الأقاصيص مما هو أجدر أن ترقم آياته بإبريز النضار. أجل إن آلام الحب لذيذة ومرارة الحب حلوة.

ليس الهوى إلا عذاباً يعذب ... أو ضرباناً في الحشة أو ضرب

ومن ثم نرى طوائف النحل التي هي شحاذة الصدقات من موائد الرياض عارفة لهذه الحقيقة بصيرة بهذا السر فهي تفطن إلى ما يكن في الأزاهر السامة من اللذة والحلاوة.