للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

أن رأيت غرور أمنيتي الأولىـ، وباطل ما ابتغيت من قبل، فقر قراري على (الذكاء الفائق والخارق للعادة) وما كنت أفعل حتى أحسست انبثاق روح جديدة في جميع جثماني، ومهب خواطر آية في الذكاء، وبدأ منذ ذلك اليوم كل شيء يتراءى لي في لون جديد، ومظهر طريف وجال بذهني الخواطر العالية، وتزاحمت الفكر الحسان، وحالت السوانح الروائع بصدري.

وقد حدث ذات يوم، بعد هذه النعمة بأيام قلائل أن أرسلني جار لنا من أهل القرية يدعى تندرتن إلى السوق لأبتاع له عدة أواني من الخزف والزجاج، فلما أتممت الشراء، وانتهيت من الصفقة، ووضعت الأواني في صندوق، ولففتها في القش، واحتقبت الصندوق وعدت أدراجي إلى القرية، ولكني لم أكد ألم على منتصف الطريق، حتى أدركني الليل، وكانت الليلة غائمة، والقمر فيها محاقاً، والظلمة حالكة، والمطر منهمراً، فانطلقت إلى حان ثمت في الطريق لأصطلي من نارهن وأستدفئ من شرابه.

ففتحت باب الحان وزاغ مني البصر على مستهل الأنوار، فلمحت في جوانب الحجرة بضعة أصدقاء ومعارف من أهل قريتنا، فجلست إلى شراب حار، ومصطلى عذب يرد الروح في الجثمان، وبعد أن وضعت صندوق الزجاج جانباً، فوق أديم الحجرة واخترت مقعدي بين القوم، وكانوا يتجاذبون أطراف حديث طويل، ومناقشة حارة في أي الحكومتين خير وأبقى، الملكية أم الجمهورية، وكان الزعيم المفوه الذي كان يدعو إلى الجمهورية ويمتدحها وينسب لها الخير كله دون أختها الملكية، بوب سيلفستر، من سكان قريتنا، حداد يشتغل بصهر المعادن وسبكها، وكان من أبلغ من عرفت لساناً، وأفصح مقولاً وأبرع مذوداً، وكان بهذه الموهبة فخوراً وبنعمة الفصاحة مزهواً، ولكنني لم ألبث بفضل ما أوتيت من الحكمة (والذكاء الخارق للعادة) أن أسكته وألقمته حجراً، وبززته في حججه، وركمت دعاواه، وفزت بالمجلس دونه، حتى دوى لي التصفيق من الجانبين، وعلا الهتاف بين أعضاء الحزبين.

وكان بوب هذا رجلاً، حاد المزاج، سريع الغضب لا يرضى أن يسكن إلى هزيمة أو يؤوب مذعناً إلى اندحار، ولذلك نهض وطلب إلي الملاكمة وسألني أن أنزل إليه في مجالدة، فما وسعني إلا القبول خوفاً من الفضيحة، وبدأ القتال واشتد النزال، فلكمني عدة