التطورات والانقلابات في آراء أمة من الأمم عندما يعوزهم في شرائعهم الدينية العنصر التاريخي أو القوة العقلية الصحيحة، فقد دخل اليهود شبه جزيرة العرب في أزمان مختلفة وببواعث متعددة، ووراء ظروف متباينة وأنت تعلم أن آراء المهاجرين والطارئين على البلاد والواغلين على أمة من الأمم، والنازلين بمملكة من الممالك، والنازعين إلى بلد من البلدان، يختلفون كثيراً بطبيعة الحال في نزعاتهم، ويتباينون في آرائهم، ولا ريب في أن أفكار الذين فزعوا إلى بلاد العرب من جراء اضطهاد الآشوريين والبابليين كانت أكثر نزوعاً إلى نسبة الإنسانية للإله، وتشبيهه بالإنسان وإطلاق صفات الآدمية عليه، من أولئك الذين هاجروا إلى بلاد العرب قبل عهد فسباسيان وتراجان وهارديان، ولم تكن تلك الصفات التي أدت ببني إسرائيل مراراً إلى النكوص والرجوع إلى عبادة الأوثان في بلادهم ومسقط رؤوسهم من جراء وجود الكهان بين ظهرانيهم، ومشيهم في صفوفهم، تستطيع أن تحميهم من وثنية أخوانهم العرب الذين فزعوا إلى جوارهم وانحدروا للمقام بينهم، بل جعلوا يخلطون مع رب إبراهيم فكرة مادية في الإله ويصورونه تصويراً ملموساً، ويجردون منه الصفات الإلهية المقدسة، فراحوا يعبدون تمثالاً صنعوه ومثلوا فيه إبراهيم وبجانبه الكبش معداً للتضحية والقربان، ووضعوا تمثالهم ذلك داخل الكعبة.
ثم هبط المجوس بعدهم فجعلوا يعبدون الشرع ويغالون فيه إلى حد الوثنية ومضى كهانهم ورؤوسهم يطالبونهم باحترام يداني العبودية، واعتقدوا أنهم حراس القوم وحماة الناس، وحفاظ القانون، ورعاة الشرع، ونظروا إلى أنفسهم كأنهم صفوة الأمة وزهرة القبيل وخلاصة الإنسانية وكان الناس من ناحيتهم يعدونهم بعد الله ويحسبون أن بينهم وبين الله حجاباً غير مستور وأنهم على التنبؤ قادرون، وبلغ حب اليهود موسى مبلغاً حتى جعلوا يعظمون اسمه كما يعظمون اسم الله العلي العظيم، ثم خلعوا شيئاً من هذا التعظيم الذي هو أشبه شيء بالعبادة على عزرا، منقذ حياتهم وشريعتهم على عهد الأسرة الكنعانية.
فلما أظهر عيسى، لم تجد فكرة وحدانية الله والاعتقاد بأن فوق الكون إرادة عظيمة مسيطرة بقوتها وعظمتها قبولاً وتصديقاً ورضى إلا من شعب واحد وهم عبدة يهوذا بل لم تلبث لديهم كذلك أن ضعفت واختلط جوهرها بما دخل عليها من جراء الامتزاج بالأمم الوثنية، أو ما جاء إليها من الفلاسفة الوثنيين. وكذلك كان الهنود على فرط ما عندهم من آلهة.