للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الدين إلا أن حكموا عليه بالكفر وأهدروا دمه.

وكذلك أزاحوا من الأرض مخلوقاً مسكيناً التهب قلبه بنار فكرة غامضة ولا يزال البابي يعتقد أن سيده ومولاه الباب إلى الحياة الأبدية، لم يقتل وإنما رفع إلى السماء بمعجزة، فهل يعقل أن أبا مغيث الحلاج والبابي إذا أسميا نفسيهما الحق والباب كانا يقصدان بهذه التسمية إلى أنهما روحان من الله، ولو أنهما كانا حقاً يعنيان ذلك فهل كان ادعاؤهما ذاك دليلاً وبينة، وحجة وإثباتاًَ، ولكنا نقول كما ذكرنا من قبل أن عيسى - على ما علمنا من مبادئه إذا نحن خلصنا بها نجيا من شوائب أتباعه وما أدخلوه عليها - لم يستخدم أي تعبير يبرر الدعوى التي حاول الناس إلصاقها به، بل أإن فكرته من جهة أبوية الله تشمل الإنسانية جمعاء إذ كان بنو آدم كافة أبناء الله وكان عيسى رسول الله إلى أنبائه، ولذلك نقول أنه قد كان نصب عين المسيحي مثلاً صالحاً، واسوة طيبة، وكان أحق بتعاليم بني الناصرة أن تسمو به وترتفع إلى عقيدة أظهر وفكرة أنقى من ناحية الخالق، ولكن مضت ستة قرون فحاطت شخص سيدنا المسيح بهالات وسحائب وغمائم من الغموض والخرافة كانت على نقيض كلمه التي قال، ودعوته التي دعا، وتعاليمه التي علم، حتى جعلته تلك الخرافات مظهراً لله، وحتى اتخذ الرسول مكان سيده في عبادة الدنيا، أما الجماهير والعوام فلعجزهم عن إدراك هذا المزيج من تعاليم المسيح بما دخل عليها من الشوائب راحوا يعبدون عيسى كأنه رب مجسم وإله في صورة إنسان وعادوا إلى العبادة الأولى الوثنية من احترام الآثاؤر واعتبار مريم العذراء إلاهة، وهكذا نرى أن المسيحيين انحرفوا عن بساطة تعاليم الناصري فأضحت عبادة الصور والقديسين والآثار والأيقونات مختلطة بالدين المسيحي اختلاطاً لا انفصال عنه ولا غناء وعادت العبادات الأولى التي جاء لهدمها والمناقص التي سعى إلى حربها، رويداً رويداً فدخلت في دينه وتكونت منها عقيدة قومه.

قبالة هذه الحماقات كلها التي ذكرناها، نهض محمد وجعل نصب عينيه محاربتها وتعفية آثارها، وقام وصوت الحق يتردد في حنايا ضلوعه ووحي الله يملأ شغاف قلبه بين صفين من الناس بين قبائل من العرب عبدة أوثان وصور ودميات، وبين أتباع المسيحية المغشوشة وأهل الموسوية المشوبة، وانبرى سيد البلغاء كما سماه الناس بحق، فلم ينحرف مطلقاً ولم يحد شعرة واحدة عن حدود العقل، فجعلهم جميعاً ندون خجلاً ويستشعرون