للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بينه وبني العقل منذ مجيء الطفل إذ راح مبهوتاً يعجب ويتساءل ماذا يستطيع أن يفعل ليعيد مكانه سيرته الأولى ولكنه لم يجد جواباً ولم يهتد إلى حل ورأى وكاد أن يكاشف زوجته بما يكنه فؤاده ويطالبها بأن تعيد عهد تلك الحماقات الجميلة التي كان بها أسعد السعداء وأعز الناس غبطة وبهجة ولكنه إذ هم أن يبوح وقف الكلام متحيراً على شفتيه ولم يجد سبيلاًُ إلى الدخول على الاعتراف فلذلك أضمر حزنه في جوانحه وأخفى أساه في عاطفته ومشى يفكر في الطريق محزوناً مهموماً عند رجعته في العشي والأصائل إلى داره بعد الفراغ من عمله، ولما كان الإنسان لا يستطيع أن يفكر ويعدو في الطريق في آن واحد فقد أصبح يصل إلى القطار الذي يبلغ به الدار في منتصف السابعة من المساء بعد أن كان يصل البيت من قبل في منتصف السادسة.

بعد عامين من ذلك التاريخ رزق الله فيولا وليداً آخر وكان الوليد في هذه الدفعة بنتاً. ولما كانت لم تطلب مقداراً كبيراً من الحب كالولد وانتهى الحال بأن أصبح نصيب نوربرت من حب زوجته له وكانت من قبل مائة في المائة الربع أو أنقص منه قليلاً ولم يبق له من مظاهر ذلك الحب إلا الجزء الواجب والفرائض المطلوبة من المرأة لزوجها كالعناية بإعداد الطعام في أوانه وغسل أثوابه إذا احتاج إلى تغييرها والمشاطرة في البحث عن أعماله والإدلاء بالنصائح له عن شؤونه إذا استنصح الرجل أو استشار وفي مقابل ذلك أصبح نوربرت يظهر رأيه ويبدي فكره بكل حرية إذا ساءه أمر من أمور البيت فراح ينتقد الطهي يوماً إذا وجد منه ما لا يروقه ويتشفع بالتعب من عناء النهار إذا لم يعجبه الحديث ولم يستطب المناقشة.

ومضت فيولا تحب طفليها ومضى هو يحبهما كذلك أصبحت هي متسامحة تغضي عن هفوات زوجه أو هناته إذ كانت عليمة بأن الأزواج جميعاً هم على هذه الشاكلة وسواسية في هذه الهفوات، والحق يقال لقد كانت تلك الأسرة في منتهى البساطة وعادية ككل أسرة ولها أشباه ونظائر على الجانبين من كل حارة وعلى الصفين من البيوت القائمة في كل طريق.

ولقد اعتادت العمات والخالات والأقارب أن يزوروا البيت وما يفتأون يقولون له ما أجملها من زوجة فاتنة صغيرة، فكان نوربرت يجيب دائماً على هذه الملاحظات وأنا الذي اخترتها