للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وعنها تقدمت العلوم الحديثة التي زهى علينا اليوم بها أهل الغرب، كالطب والعمارة والفلسفة والآداب والكيميا والطبيعة وما إلى تلك العلوم من أخوات لها وأقارب.

ولو أنك اطلعت اليوم إلى إسبانيا لألفيت فيها آثاراً تدل على الإسلام وما كان من حضارته، ولا تحسب أن المدنية الإسلامية ماتت في تلك البلاد وعفت القرون عليها العفاء فلا تزال ثمت مدائن كثيرة ولا سيما إشبيلية غنية اليوم بآثار العرب مفعمة بالذكريات المتعددة عن مدنيات الإسلام فالبيوت لا تزال تبنى على الطراز الإسلامي ولا تختلف عن بيوت الإسلام وقصوره إلا بفقرها من الزينات والزخارف الجميلة ولا يزال الرقص فيا عربياً والموسيقى عربية ولا تزال المدنية الشرقية تدل على نفسها في وجوه الإسبان ومعارف محياهم، ومن هذا تعلم أنك قد تقتل الأمة من الأمم بأسرها وتحرق كتبها وتهدم آثارها، وتعفى على ذكرياتها ولكن لا تستطيع أن تستأصل الجذور استئصالاً وتنزع التأثير القديم نزعاً وليس في مقدرة الإنسانية أن تقتل ذلك الأثر، ولا تستطيع القرون أن تمحو منه إلا الشيء النزر اليسير.

هذه آثار أوجزنا فيها الإيجاز كله على فضل الشرق وابتعاثه على الغرب على التقدم وإغرائه بالرقي وإنشائه هذه الحضارات الزاهية الألوان اليوم، فماذا كان من الغرب في الشرق وماذا ترك الأولون للآخرين.

(٢) آثار الغرب في الشرق

ما كاد العرب يخرجون من الأندلس ويتركون غرناطة مهد الإسلام في المغرب حتى أخذ الغربيون يسومون أخلافهم فيها العذاب كله وكان أخلق بهم أن يتعلموا ذلك التسامح الذي نشره المسلمون في تلك البلاد وبثوا بذوره ولكنهم جعلوا يقتلونهم تقتيلاً حتى افنوا منهم خلقاً كثيراً وكان ينتظر إذ ذاك أن تفتح الإسبان بعد ذلك عهداً جديداً. وتخرج حضارة كبرى. ولكن إسبانيا لم تقم لها قائمة منذ خرج عنصر الإسلام منها. وتركتها الحضارة الإسلامية ولا تزال حالها قمينة بالرثاء. وهي في ضجعة لا تصحو منها وفي سبات عميق لا يعرف حده. ولا يدرك متى تستيقظ منه.

وإذا أنت أجلت البصر في الشرق اليوم، وهو لا يزال في إسار الغرب فما أنت واجد شيئاً تستطيع أن تذكره فضلاً من أفضال المغرب على المشرق إلا إذا كانت المضاربات