للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ويدرس البواعث التي تغريه ويستريب بمقدرته أمام عظمة الكون، ويركن إلى عناية الله، في المعركة القائمة بين الشر والخير.

وقد كانت الشرائع التي وضعها بعض الأديان وسنت بها فرائض، وأقامت أعمالاً معينة وواجبات، خلواً مما يجعل هذه الشرائع سهلة الإنفاذ ممكنة التأدية، ذلولاً عن الاختبار، وكانت مفتقرة إلى معرفة طبيعة الإنسان تبدو عليها طبيعة الأحلام والأوهام، وتتجلى عليها إمارات الخيال وطلب الكمال من ناحية الوهم والحلم، ولذلك لم تلبث عند تطبيقها في معركة الحياة أن ظهرت بلا جدوى، عقيمة لا نفع منها، وأنت تعلم أن مقدار دين من الأديان من السهولة واللين وإمكان التنفيذ، وسلطانه على العلاقات التي تربط الناس بالناس، في الحياة اليومية، وأثره في الجماهير، وسيطرته على الجماعات، هي الوجوه الحقيقية التي يمكن للناس أن يحكموا على صلاحيته ورجاحة شرائعه، ونحن لا ننظر إلى العقول الشواذ العظيمة والألباب السامية الراقية على مستوى العقول العامة، لنتبين أثر دين من الأديان، بل إنما ننظر ونبحث ونجيل البصر في الجماهير والجماعات لندرك أثره فيهم وموقعه من قلوبهم، ولنرى ما كان من عمق سلطانه عليهم ومقدار السمو الذي يسمو بهم ولنبحث فيما إذا كانت شرائعه قد ألهمتهم معرفة الحق من الباطل، والخير من الشر، ولنتبين هل يصلح هذا الدين سكان أبعد البلاد، وآهلة الأقطار المعتزلة في أركان الدنيا، إذا هو حمل إليهم، وشاع فيهم، أو هل يُسف بهم، ويهوي إلى الدرك الأسفل، ويحط من مكانهم، وهذه هي الأسئلة التي ما نفتأ نسألها إزاء كل دين نريد أن ندرك مكانه من الرجاحة والصلاح.

فإذا أردت أن تطبق جميع ذلك على الإسلام ألفيت هذا الدين يجمع بين مبادئ كمالية من السمو بحيث لا يدرك علاؤه، ومبادئ عقلية حقيقية منطقية تقبل التطبيق وترتضي التنفيذ والعمل بها والاسترشاد. ولم ينكر الإسلام الطبيعة الإنسانية ولم يدخل في دروب بعيدة عن المحسوس والواقع والمعقول. بل كان مبدؤه الأول الارتفاع بالإنسانية إلى حدود الكمال المطلق. وكان سبيله إلى بلوغ ذلك الكمال بإدراك أن طبيعة الإنسان في هذه الحياة ناقصة. فإذا لم تقل مبادئ الإسلام (إذا ضربك أخوك على خدك الأيمن فأدر له الأيسر) وإذا أدنت بمعاقبة المسيء على قدر إساءته. فقد علمت الناس كذلك فضيلة العفو والمغفرة والصفح