للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الأعظم - لي إلا ديناً خليقاً بالاحترام والإكبار وقد امتاز الإسلام وتفردت شخصيته بأنه يجمع في صميمه جميع المبادئ العالية والسنن السامية في الأديان القديمة وكل ما يمشي مع العقل ويتابع الغريزة، وترتضيه الفطرة الإنسانية وليس الإسلام فقط شريعة تحتوي طائفة من القواعد الأدبية القائمة على المعرفة الصحيحة لفطرة الإنسان ولكنه كذلك سن طائفة من السنن لتهذيب العقل، والضمير ولهذا كانت موافقة مبادئ الإسلام لجميع العصور ولجميع الأمم والشعوب واتفاقها ونور العقل وهدى اللب وتخلصها من العقائد الغامضة التي ترسل ظلامها على الحقائق الأولى المتأصلة في الصدور الإنسانية ليست إلا دلائل على أن الإسلام هو الخطوة الأخيرة التي خطتها الدنيا في ترقية المشاعر الدينية في الإنسان والذين جهلوا المغزى التاريخي المراد من كل مبدأ من مبادئه قد أدى بهم الجهل إلى أن قالوا بأن خشونة تلك المبادئ ومخالفتها لأساليب الفكر الحديث، ومناقضتها للمدنيات الحاضرة ينبغي أن تحرم الإسلام من أي حق في الانتشار والذيوع في الدنيا عامة، ولكن النظر ملياً إلى المغزى التاريخي الذي يفهم من الشرائع والمبادئ الإسلامية، والتسامح قليلاً في البحث والإنصاف في الدرس والفحص لا يلبثا أن يزيلا هذا الفهم السيئ الممقوت فإن صلاحية الإسلام واتساعه وذيوعه وقبوله جميع الآداب الأخلاقية كثيراً ما أسيء فهمها أو أخذت على غير حقائقها أو أخفاها تعصب الأديان المنافسة له، والإسلام من بين جميع أديان الدنيا التي سيطرت على ضمائر الإنسانية هو الدين الفذ الذي جمع بين تلك الآراء التي أنشأت في عصور مختلفة من حياة البسر مصدر سلوك الناس، وأقامت قانوناً يضبط أفعالهم، وبين الشعور بمكان الإنسان وإدراك الطبيعة الإجرامية فيه، فإن اعتقاد المسلم بأنه سيحاسب على ما اجترح، ويجزى بما فعلته يداه، يبعثه على إنكار ذاته ويوحي إليه عاطفة المحبة العامة، والإحسان إلى الناس جميعاً، واعتقاده في العناية الإلهية وفي رحمة الله وحبه وقدرتنه التي وسعت كل شيء يسوقه إلى التواضع أمام الديان، والاستكانة والخشوع إزاء الخالق، ويغريه بتأدية تلك الفضائل الجبارة العظيمة التي تطالب مؤديها بأصعب الأمور، وتحمله العنت والرهق، كالصبر والاستسلام والثبات أمام البلاء الذي يبتلى به الله الناس، وهذه الفضائل هي التي دعت كثيرين من الكتاب إلى اتهام الإسلام بأن فضائله مرهقة تعذيبية أليمة وتجعل المسلم يسائل ضميره ويلح في الحكم عليه وأخذه بالزجر والنهر