للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

على أن ليس في جميع الشعائر التي وضعت للعالم، والتعاليم التي لقيت لتهذيب أهل الدنيا، تعاليم ولا شعائر هي أسهل منالاً وأحنف مقصداً وأوفق للطبائع وأدعى لتقدم الناس وتزكية نفوسهم من تعاليم النبي العربي لأن القواعد القليلة التي سنها للشعائر الدينية، لم يراع فيها إلا استتباب النظام في الجماعات الإسلامية وتأسيس المساواة والاتحاد والولاء ولكنها لم تكن من الصلابة بحيث لا تقبل مرونة ولا ترتضي ليناً وتهذيباً بل أذن في التجاوز عن نصوصها والتنصل من قيودها في عدة وجوه من مرض أو بواعث أخرى، لأن القرآن يقول يريد الله بكم اليسر لأن الإنسان خلق ضعيفاً وإذا كان محمد قد أحاط تعاليمه بطائفة من السنن والشرائع والتقاليد فإنما كان ذلك منه ليؤدي فكرة محسوسة عن الدين لعامة البشر. وقد وضع عيسى سنتين اثنتين، التعميد والعشاء الرباني، ولو أنه عاش أكثر مما عاش في الأرض لأضاف عليها وحشد لها وحشدها. ولكن الأمر الذي لا ريب فيه هو أنه لو كان عاش لرأى أن يضع دينه على قاعدة نظامية أكثر مما هي عليه، ولأقام تعاليمها على جدار متين، وهذا النقص الأساسي في المسيحية هو في الحق السبب الجوهري الذي بعث المسيحيين على إنشاء مجالس الكهنوت، ومجامع أهل الدين، وإنشاء النحل والمذاهب والعقائد المختلفة الألوان والآراء والبنود والنصوص التي تتحطم وتتهدم إذا مسها العقل أو عالجها التفكير المتخلص من القيود وهكذا ترك المسيح عمله غير تام. وأبقى لمصلح آخر غيره واجب تنظيم مبادئ الخلق والآداب الاجتماعية وأنت فتعلم أن علاقتنا مع الله أمر يخص الضمائر وأما علاقتنا بالمخلوق فيجب أن تسن لها آداب عامة وقوانين محدودة، وليس في الدنيا نفوذ أو سلطان هو أدعى إلى ضمان إنفاذ هذه الآداب، وإطاعة تلك القوانين، من سلطان الأديان، وينبغي أن لا نعد الدين مجموعة تعاليم وعظات تنحدر إلى عامة الناس من ذوائب منابر الخطباء والوعاظ ولا أن نرى الدين عقيدة تغذي أهل الأذهان الخيالية التي تعيش على الأحلام وإنما ينبغي أن نعتبر الدين قانون الحياة كلها، وأن نعد الغرض الأكبر منه السمو بالإنسانية إلى الكمال الذي هو الغاية من الوجود، فإذا كان هذا هكذا فإن الدين الذي يضع المبادئ الأساسية للأخلاق ومجموعة الفضائل ووالفرائض الأدبية على قاعدة منظمة، ويسن القوانين للروابط الاجتماعية والفرائض الإنسانية ويقربنا رويداً رويداً باتفاقه والفطرة ومشيه وسمو الذهن وعمله على تهذيب القلب، من الكمال