المسيحية من مهدها زالت عنها صفة المسيحية فصارت ديانة بولس لا ديانة المسيح. وفي هذه الآونة كانت صروح الوثنية القديمة تتداعى لانهدام، وقبل ذلك كانت الفلسفة اليونانية والفلسفة الإسكندرية تهيئان العالم الروماني لقبول فكرة إله غير مكون من المادة - إله اسمه (ديميرجيس) أو (ايون) قد نشأ في قلب الأبدية - وهذه الفكرة اندمجت في مسيحية بولس والمسيحية العقلية (إيديالستيك) الحديثة التي هي أحق أن تسمى مذهباً فلسفياً من أن تدعى ديانة مقررة. إنما هي نتيجة القرون العديدة من المدنية السابقة للمسيح والمدنية التالية لها. أما الإسلام فقد بث في أمة مخالفة وفي ظروف اجتماعية وأخلاقية مخالفة. ولو أن الإسلام استطاع أن يقتحم العقبة التي أقامتها في وجهه مسيحية ذلك العصر الوضيعة المنحطة فتسرب إلى الشعوب الراقية والأمم العليا من سكان الدنيا لاتخذ صبغة أخرى ومذهباً عن الرقي جد مخالف لما يراه المتأمل اليوم بين الشعوب المسلمة الأقل استنارة وعلماً. فمثل هذين الدينين كمثل نهرين ينحدران في بقعتين مختلفتين - كل منهما يحدث من النتائج ما هو ملائم لماهية التربة التي يتدفق فيها. وغير خاف أن المكسيكي الذي يعاقب نفسه ضرباً بورق الصبير وساكن جنوب أمريكا عابد للوثن والطبقات السفلى من الأمم النصرانية لا يصح اعتبارهم نصارى بأي وجه من الوجوه، وما أبعد الفرق بينهم وبين قادة الأفكار المسيحية الحديثة. وقد ثبت أن الإسلام حينما تسرب إلى الشعوب القابلة للاستنارة والرقي وجد على تمام ملاءمة لعوامل الرقي والتقدم فأعان على نشر المدنية وتهذيبها وأكسب العقائد الدينية روحانية وعقلية.
إلا أن ديناً كان من نتائجه وثمراته بطولة علي وإخلاصه ورقة جعفر الصادق ودماثته وطهارة فاطمة وعفافها وقدسية رابعية - إلا أن ديناً أخرج أمثال ابن سينا والبيروني وابن خلدون وجلال الدين الرومي وإبراهيم بن أدهم وكثير غيرهم لدين مشتمل علاى كل عناصر الأمل وأسباب الفوز والفلاح.
يا حسرتا ويا أسفاه على أساتذة الإسلام في العهد الأخير! لقد هبت عاصفة المشاحنات المذهبية على روضة الدين الصحيح والإيمان الصريح فأذبلت زهرتها وأذهبت نضارتها.
وقد شرح أحد وعاظ النصارى في أبلغ بيان وأصدق برهان الفرق بين العقيدة الدينية وعلم الفقه وبين المضار التي حلت بكنيسته بسبب الخلط بين الاثنين وقد أصاب الإسلام من هذه