للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

واغدُ على اللهو غير متئد ... عنه فهذا أوان مقتبله

أما ترى جدة الزمان وما ... أبدع فيه الربيع من عمله

وافي وجدة الزمان غادية ... عند اقتراب الشتاء من أجله

فاحتل أرجاءها فأدركها ... من زهر نواره ومن حلله

أدركت في أخريات شتوته ... ما كان عز الربيع في أوله

وأدركته السحاب ترضعه ... درة وقدٍ تحي على بلله

فاشرب على جدة الزمان فقد ... وافى بطيب الهوى ومعتدله

وقوله يصف نزول المطر:

همت السماء برذاذ ثم بطش ثم برش ثم بوابل ثم هتنت حتى إذا تركت الربى كالوهاد ريا تقشعت فأقلعت الخ الخ.

يجد الإنسان في هذا الكلام وفي كلام المعاصرين وبعض من سبق ابا نواس وعصره تقدير الناس لجمال الطبيعة في ذاته مجرداً من نسبته للمحبوب وإذا ما أردنا الأمثلة من الأزمان التي تلت وخصوصاً إذا وصلنا عصر الأندلس وجدناها كثيرة تفوق الحصر. فإذا دخلنا في القرن الثالث عشر والربع عشر والخامس عشر أي حين ابتدأت حياة الفن في إيطاليا تأخذ رونقها دخلنا في عالم هائل تظهر فيه متتالية الأوصاف الكبيرة الكثيرة وحب الناس للجمال وإظهاره على صورهم والتغني به في شعرهم. ففي أول هاته القرون الثلاثة ظهرت قصة دانتي

ثم ظهرت في القرن الخامس عشر (غنوة) رولاند للاييت وفي القرن السادس عشر كنا نرى شكسبير في انكلترة وكتاب ذلك القرن الكثيرين في فرنسة. وبقي ذلك الارتقاء في الإحساس بالجمال يتقدم حتى أيامنا هذه حين أصبح له حظ كبير جداً في الحياة العامة عند كل الأمم الراقية وصارت طبقة جماعة المشتغلين بالفنون تشغل المحل العظيم الذي تشغل.

ويختلف تقدير الجمال إلى يومنا هذا ما بين أمة وأمة وبالحرى ما بين جنس وجنس. ولقد أفرد دارون للتدليل على ذلك قسماً من كتابه تسلسل الإنسان واستشهد عليه بأقوال جماعة العلماء من السياح. فالهنود الشماليون يقدرون الجمال عند ذي وجه عريض مسطوح