ما كان يقع عادة من السبي من الكر والفر والضرب والامتناع لتأصل هذه الأمور في النفوس وتعذر انتزاعها منها مرة واحدة. ثم تسري العدوى من هذه الطبقات إلى الطبقات الأخرى وهذا شأن كل عادة جديدة فإنها تنشأ أولاً بين الطبقات العليا ثم تنتشر منها حتى تعم الطبقات السفلى.
ولا يزال جيراننا ومواطنونا سكان شبه جزيرة سيناء عالقين بأهداب هذه العادات القديمة فإنهم في ليلة العرس يقوم الرجال ويتظاهرون بالدفاع عن العروس والزود عنها ويضربون العريس ويجلدونه بالسياط مكأنهم يحاولون منعه من خطف العروس وتمتنع هي عن الذهاب معه وتقابله بالضرب واللكم والسب وتساعدها في ذلك أترابها وكلما بالغت في ذلك علا قدرها وازداد إعجاب الناس بها.
أما القبائل التي لا تقوى على قتال جيرانها الأشداء وتخشى بأسهم فإنها تبتعد عن كل ما يستفز غضبهم ولا تجرأ على أن تخطف امرأة منهم بل تحرم ذلك كل التحريم وتمقته كل المقت وذلك لشدة ما كانت تلاقيه من الويلات والمحن كلما قام بعض أفرادها واختطفوا امرأة تنتمي إلى قبيلة قوية - إن لخطف النساء وضعف الروابط الزوجية وإباحة المسافحة أثراً سيئاً جداً فإن المجتمع الذي يزاول هذه الأمور يكون مفكك الروابط مشتت الشمل لا تتآزر أفراده ولا تتعاون إنما تتخاذل وتتشاكس وذلك لأن عاطفة القرابة بينهم ضعيفة جداً تكاد تكون معدومة فإن الأطفال تنتسب إلى الأمهات لا إلى الآباء والانتساب إلى الأم قصير المدى لا يشمل غير الأطفال ومن عداهم فأجانب لا يحبونه ولا يشعرون نحو بعضهم بعاطفة قرابة أو نسب بل كل منهم قائم بنفسه لا يعنيه من شؤون غيره إلا قليل ولا يعرفون من القرابة غير الأمومة والأخوة على أن عاطفة الأخوة نفسها غير تامة بينهم لأن الأخوة عندهم أخوة لأم وليسوا بأخوة أشقاء. والمجتمع الذي بهذا التفكك والانحلال لا يستقر على حال من القلق ولا يهدأ له بال ولا ترتكز له قوة سياسية تجمع كلمته وتدفع عنه أذى أعدائه.
ومن مساوئ هذا النظام إهمال الرجال شؤون الأطفال وعدم الاكتراث بهم والعناية بتربيتهم وترك كل ذلك على عاتق المرأة التي لا تقدر أن تقوم به على أحسن وجه فتضعف الأطفال ويصيبهم الهزال وتتفشى فيهم الأمراض الخبيثة ويحصدهم الموت حصداً ومن ينجو منهم