للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فتلفت حول المائدة أفتش ببصري على رأس الغول الذي أشار إليه جاري جون فأبصرت لدى الطرف الأقصى من المائدة رأساً كبيراً فوق جثة ضئيلة معوجة مشوهة موضوعة فوق كرسي عال قد رفع محموله (أي الجالس عليه) إلى مستوى المائدة وأصاره بمتناول سهل من طعامه. وكان منظر هذا المخلوق من فرط غرابة التشويه وقبح الهيئة بحيث يخيل إلي أو أنه إحدى لعب الأراجوز وأن وراءه محركاً مستتراً قد أبرزه هنيهة تأملاً وعما قريب يسحبه ويبرز لعبة أخرى من تصاوير حرفته وتهاويل مهنته. فأقبلت أنصت إلى مقالة هذا الرجل المشوه فإذا هي كما يأتي:

بلدي بوستون إنه محتدي ومسقط رأسي وفيه أريد أن أموت وأقبر وفي ترابه المحبوب تدفن عظامي ويغيب رفاتي، ولا تعيرونني بضيق مساحة بلدي وتواضع بنيانه وتهدم بعض أركانه واعوجاج طرقاته والتواء مسالكه. فلقد ولدت بأشدها اعوجاجاً وفيه درجت وترعرعت وفي تعاريجه الملتوية رتعت ومرحت.

فقال الفتى جون بصوت خافت لم يسمعه المحدث المشوه الخلقة وسمعته أنا لأني جاره وملاصقة لا عجب أنك لطول جولانك في مسالك بلدك المعوجة خرجت كأنما أفرغت في قوالبها فأتيت أشد الخليقة تلوياً واعوجاجاً.

هذه الكلمة لم تصل إلى أذن الرجل الدميم الضئيل فاستمر في مقاله.

أجل، إن مدينة بوستون مملوءة بالطرق الحرجة المعوجة ولكني أقول واصرح بأنها قد فتحت من الطرق المؤدية إلى حرية التفكير وحرية القول وحرية العمل أكثر مما فتحته أي بلدة أخرى حاضرة أو غابرة - حية أو ميتة - مهما بلغ من سعة سبلها وارتفاع مناراتها!.

وهنا دخل في حلبة الحديث رجل من أصحاب المائدة نبيل الهيئة له سمت وأبهة وكبرياء وروعة أسود الشاربين غزيرهما عليه صدرية ممن القطيفة وسلسلة ضخمة ذهبية ودبوس من الماس قد بلغ من فرط الضخامة ما يدعو إلى ظل خفيف (لا تخطئ غرضي أيها القارئ - فإني لا أعني أكثر من ظل خفيف فقط) من الشك والارتياب بحقيقة جوهره وكنه معدنه. هذا الرجل ينتمي إلى مدينة عظيمة من أعيان مدائن البلاد (الولايات المتحدة) وهو يجلس على المائدة إلى جانب ابنة صاحب الفندق - فنتاة حسناء عظيمة الثقة بصاحبنا المذكور راسخة العقيدة في حوله وقوته وهي أيضاً موضع اهتمامه وعنايته ومطمح أمله