للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ورغبته. قال هذا الرجل: ما مبلغ ارتفاع دار الندوة (مجلس الشورى، مجلس البلد الذي هو أشبه بمجلس المديرية أو البلدية) في بلدتك بوستون؟

قال الرجل المشوه: ما مبلغ ارتفاع دار ندوتنا؟ ارتفاعه يوازي أول درجة في السلم المؤدي إلى ذروة الفكر الحر واستقلال الإرادة والعمل، أليس ذلك كافياً؟

فقلت: أجل إنه لكذلك. وهنا ألقي بالحكمة الجليلة التي قد ضاق بها صدري وصبري فطرحتها على بساط المحاورة دون انتظار الفرصة أو المناسبة فقلت: الغرض الأعظم من الحياة هو التوفيق بين الإنسان وبين ظام الكائنات. وقد قامت الكنيسة بذلك إذ كانت هي الآلة الموسيقية الوزانة التي بفضلها تتم الموازنة والملاءمة بين نظام الإنسان ونظام الكائنات. ولكن هذه الآلة الوزانة (أعني الكنيسة) تحتاج هي ذاتها إلى ضبط وميزان. فمن ذا الذي ترى يقوم بوزنها وضبطها؟

فتقدمت للكلام امرأة حادة الصوت حادة الطرف حادة المفاصل حادة الأخلاق عليها ثوب أسود كأنما كانت لبسته في الأصل للحداد ثم أبقته بعد ذلك على سبيل الاقتصاد فقالت: إذا كنت تطلب من يقوم بضبط هذه الآلة الوزانة (أي الكنيسة) التي وظيفتها التأليف بين نظام الإنسان ونظام الكائنات فعليك بالإنجيل.

فقلت لها: هذا كلام مستحسن ولكن فيه مجالاً لشيء من التعليق والتعقب تقولين اذهب إلى الإنجيل وقد غاب عنك أن الإنسان إنما يستمد من الإنجيل بمقدار ما يحمل إليه - أعني بمقدار ما يحتويه صدره من العلم بالحياة والخبرة بشؤون الدنيا المكتسبة بالنظر والتأمل والتجارب فضلاً عن سلامة الفطرة ونفاذ البصيرة. وأنت إذا قارنت بين نظرة الرجل الساذج في الكتاب المقدس وبين نظرة رجل مثل مارتين لوثر صاحب المذهب البروتستانتي أو قارنت بين اطلاعة تلميذ من طلاب الأدب على بعض صفحات شكسبير وبين اطلاعة مثلها من النقادة الجهبذ (وليم هازليت) أو العلامة الضليع (وليم سكليجل) اللذين فنيا العمر في دراسة نفثات ذلك الشاعر الأكبر فأي فرق بعيد وأي بون شاسع. وإنما مثل الأذهان البشرية المختلفة في انغماسها في كتاب أحد الفحول العظماء واستمدادها العلم من ينابيعه كمثل المواد المختلفة الجوهر تغمسها في سائل بعينه فإنها لا تأخذ كلها من السائل بمقدار واحد بل كل واحدة تتشرب منه على قدر كفاءتها وقوتها أو كما يقول علماء