للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

يشبه عملك هذا عسى أن يكون لك عبرة وموعظة اجتمع عندي مرة مبلغ من النقود فأودعته بعض المصارف وأخذت عنه دفتراً من الشيكات يمكنني من سحبه على دفعات ملائمة لمقتضيات الحاجة. فاستمرت الحالة على أحسن ما يرام مدة من الزمن كلما أردت المال بعثت بواحد من الشيكات إلى البنك فعاد إلي بالضالة المنشودة كعفريت سليمان قبل أن يرتد طرفك وكأنما دفتر شيكاتي هذا قاموس من قواميس الأحكام النافذة والأوامر المطاعة اينما فتحته أصبت منه ما شئت من مترادفات اللذة والسعادة ففي ذات يوم وقد أرسلت شيكاً إلى البنك رد إلى الشيك مكتوباً عليه قد نفذت ذخيرتك - إنا لله وإنا إليه راجعون. لقد أصبح دفتري كمية من الأوراق المهملة! وهكذا يكون مصيرك أيها الأستاذ إذا بقيت تنفق من بنك معلوماتك بإدمان الحديث دون أن تمده بالذخيرة عن طريق الإصغاء للغير. وسيجيء يوماً تريد أن تسحب من مصارف ذهنك فيرتد إليك الشيك مكتوباً عليه قد نفذت ذخيرتك.

فقلت: هذا كلام لا بأس به ولكني أعلم أن الحياة أسرع إلي ضرب دنانير الأفكار وصوغ نقود الآراء من لساني إلى صرف هذه العملة على شكل ألفاظ ولكمات. أفرأيت أنك لو عمدت إلى أزهار بستانك لتمسح بمنشفتك قطرات الندى من عيون نرجسها وخدود وردها وثغور أقاحها في ريعان بكرة صلة أو في ظلال عشية مطلولة أتظن أن أزاهيرك تبقى بعد ذلك عاطلة من عقود الندى وقلائد الطل أم تصوغ لها يد السماء من جمانها ولؤلؤها حلياً جديدة؟ لا مراء أنك لا تلبث أن تجدها محلاة بل أبهى مما سلبت يداك درراً صغاراً وكباراً. ولآلئ عوناً وأبكاراً.

ها أنا ذا أستاذ المائدة - رجل ما زال يقطف أزهار الحياة حتى بلغ إلى ثمارها فلم يجدها في كل الأحايين مرة شاحبة الصبغة حزينة اللون بل وجدها أحياناً حلوة بهيجة اللون مصقولة الأديم، رجل كان يتعثر وسط الكتب والمؤلفات طفلاً صغيلاراً وإذا مد الله من أجله فلسفو يتعثر بينها شيخاً متهدماً كبيراً - رجل مملوء ذهنه بأفكار وخطرات هي على علاتها جياشة نغازة قد صيرت ذهنه أشبه شيء بالساق النائمة التي إنما سميت نائمة لفرط يقظتها وتنبه أعصابها - فامتلاء ذهنه بالخطرات النغازة هو كامتلاء الساق النائمة بالأبر والأشواك الوخازة. رجل يعرض من لوح قلبه على مؤثرات الحياة وعوامل الكون عوداً