للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وكانت عيناها الغائرتان الرماديتان تبثان نظرات اليقظة والذكاء والدهاء من تحت جبينها المشرف العظام. وكان أنفها الحاد بارزاً كالمغزل يتنفس هواء الله بنشاط وقوة وكأنه يقول: إني لذو قوة ونشاط. . وكان يفوح منها رائحة النبيذ.

بينت لها القصد من زيارتي فأصغت إلي وهي تطرف بعينها طرفاً متوالياً سريعاً ورفعا أنفها الحاد كأنه تهم أن تنقر.

وثم قالت: أجل أجل لقد حدثني إرداليون كاتسفيتش حديثاً كهذا إنك تريد أن تبصر آيات فاسينكا ولكنا لا نستطيع أن نثق يا سيدي العزيز لا نستطيع أن نثق. .

فقلت معارضاً: ولماذا أما من ناحيتي فاطمئني غاية الاطمئنان فلست مخبراً ولا جاسوساً.

قالت المرأة بسرعة: معاذ الله يا سيدي أستغفر الله ماذا تقول؟ أيدور بخلدك أنا نجرأ على اتهام جنابك بمثل هذه التهمة! وماذا يستطيع المخبر أو الجاسوس أن يبلغ عنا أو يعزو إلينا؟ أترانا نأتي خطيئة أو إثماً. كلا يا سيدي ما كان نجلي ليقترف المنكر قط. . وما هو من السحرة. . معاذ الإله والعذراء والسيد المسيح! وهنا صلبت العجوز مراراً إنه لأتقى الناس وأنقاهم وأقومهم بفرائض الصلاة والصوم ولهذا أفاض الله عليه من نوره ومن وحيه. وما يأتي نجلي من عنده شيئاً إنما هو من عند الله ومن نفحات الملكوت الأعلى.

قلت: وكذلك توافقين إذن خبريني متى ألقى غلامك؟

قالت العجوز وطرفت بعينها كما بينت لك ونقلت منديلها المطوي من كمها الأيمن إلى الأيسر.

هذا يا سيدي ما لا أقدر أن أحدد.

قلت: اسمحي لي يا مسيريديا كربوفنا أن أقدم لك هذا، ثم أعطيتها ليرتين.

فاختطفتها العجوز بأصابعها المسينة المعوجة التي هي أشبه شيء بمخالب البومة ثم دستهما بسرعة في كمها وأطرقت ملياً كأنما قد عزمت وأبرمت قراراً ثم ضربت بيديها على فخذيها وقالت لا بلهجتها السالفة ولكن بصوت أخشع وأخفت.

(ائت هنا الساعة السابعة مساء. ولكن لا إلى هذه الغرفة بل تفضل بالصعود إلى الدور الأعلى تجد باباً على يسارك فافتحه فإنه يفضي بك إلى حجرة خالية فيها كرسي فاجلس فيه وانتظر. ومهما تر وتسمع فلا تحدث أدنى حركة ولا تنبس ببنت شفة. بل لا تكلم ابني