للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

نفسه لأنه حديث السن وعرضة للنوبات العصبية. وهو سريع الفزع والهلع. ويروعه أدنى شيء حتى تراه يرتعش وينتفض كالعصفور بلله القطر يا لله يا لله.

فنظرت إلى مستريدا وقلت (تقولين أنه حديث السن، ولكن بما أنه ولدك. . .)

ولدي في الله فقط - في المذهب والطريقة وكم غيره من اليتامى أقوم عليهم وأنشر فوقهم ظلال عنايتي وأجنحة رعايتي. قالت هذا وأومأت برأسها نحو الركن الذي يصدر منه البكاء والأنين واستمرت فقالت يا لله والأم المقدسة العذراء! وهل جنابك فركت قبل المجيء إلى هنا أي أقاربك أو أصحابك المرحومين - لهم الجنة - تريد أن ترى؟ أرجع الفكرة كرة في سجل مرحوميك وعين من تشاء وأبقه في ذاكرتك من الآن حتى تقابل ولدي!.

قلت: أفلا أذكر لولدك اسم من. . .

قالت: لا لا لا تفه بأدنى كلمة. لمحدث بما في سرك مطلع على مكنون صدرك يأخذ من بنات أفكارك ما يحتاج إليه بعلمه الثاقب. وكل ما عليك هو أن تبقي صاحبك المرحوم في ذاكرتك. ولا تنس أن تشرب على الغذاء قطرة من النبيذ كأسين أو ثلاثاً فإن النبيذ لن يعدم نفعه وفائدته. ثم أن العجوز ضحكت وتلمظت بشفتيها وأمرّت يدها على فمها وتنهدت.

قلت لها ونهضت من الكرسي: وكذلك موعدنا الساعة السابعة.

قالت: الساعة السابعة يا سيدي الساعة السابعة.

استأذنت من العجوز وعدت إلى الفندق وما عندي شك في أنهم سيخدعوني ويجعلوني أضحوكة ولكني لم أدر ماذا يكون أسلوبهم في ذلك، وهذا ما أثار حيرتي وعجبي. ولما قابلت إرداليون لم أتبادل معه أكثر من كلمتين أو ثلاثاً إذ سألني وعقد جبينه: هل قابلتها؟ قلت: معم فصاح قائلاً: قاتل الله العجوز إنها كأدهى سياسي!.

ثم إني شرعت في تنفيذ وصية (السياسي) فرجعت الفكرة كرة في سجل أمواتي. وبعد تردد طويل وقع اختياري على شيخ كبير كان قد توفي منذ عهد بعيد وكان معلماً في حين ما وكان فرنسي الجنسية ولم يكن اختياري له دون غيره لجاذبية خاصة بل لأن شكله كان عجيباً نادراً فذاً لا يوجد له مثيل بين أشكال أناس اليوم بحيث يصبح تقليده من المستحيلات. فكان له رأس مفرط الضخامة وشعر أبيض منفوش وحاجبان أسودان كثيفان