للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الاستسلام للأقدار والانقياد صحبة تيارها لا عكسه. ومن ثم مصدر تلك الروح المخيفة - ورح الجيل الحديث الذي ضحى بنفسه في حركة النيهليست فإن باعث تضحية النفس كان يدفع بالشاب الغيور المتوقد على غايته المقصودة على الرغم من كافة المؤثرات والعوامل الحائلة بينه وبين غرضه. وعلى ذلك فإن صوفيا بطلة القصة هي فتاة نهلستية سابقة لأوانها.

قلنا أن فقدان القوة والإرادة من النفس الروسية هو أصل الفضائل والرذائل الروسية وبهذه المناسبة نقول أن من العجائب أن نرى روح كل شعب إنما تنمو وتنبعث من نزعة هذا الشعب إلى طلب الصفات والمميزات التي قد حرمها بالفطرة. مثال ذلك أن الذهن الألماني الذي هو أشد الأذهان تيقظاً وانتباهاً إلى ماديات الحياة وإلى وجوب إحراز الفوائد المحسوسة والمنافع الملموسة تراه مع ذلك، بتأثير قانون الموازنة ورد الفع، يرخي وتر قوسه ويحبس عنان فرسه، وبدلاُ من التشمير في إحراز الماديات والتحفز لانتهاز فرص الحياة ينغمس في بحور التصورات والتخيلات ويمعن في أودية الأوهام والأحلام، ثم انظر الذهن الفرنسي الذي هو أهدأ الأذهان وأبردها واصفاها وأدقها تحليلاً لما في نفسه من بواعث ونزعات تراه مع كل ذلك بتأثير قانون التوازن أيضاً، يعمد إلى تضليل نفسه بين دهاليز المجازات وألغاز الكنايات والاستعارات منصرفاً عن جلاء الأفكار الواضحة إلى غموض العواطف المبهمة. وعلى هذا النحو أرى أن تسخط الذهن الروسي على حركات نفسه وكامن استيائه من نزعاته وتصرفاته هو الذي يثير في ذلك الولوع الشديد بانتقاد كل ما هو باطل ومبالغ فيه حتى نراه يحتقر ما في الأدب الفرنسي من صنوف البديعيات وزخارف الاستعارات وما في الأدب الألماني من الإغراق في التخيلات والأحلام ثم نرى أن فقدان الإرادة م الذهن الروسي تزيد روحه تعمقاً واتساعاً من حيث نظراته وتأملاته في الوجود فهو يستسلم للكون ومؤثراته ولا يمكن ظل حظه الذاتي وظل شخصيته الفردية، مهما أظلم واسود، من الحيلولة بني روحه وبني صحيفة هذا الوجود الهائل كما تفعل إرادة الرجل الغربي، تلك الإرادة المهاجمة المغالبة المنازعة المدافعة التي تحاول أن تعطي شخصيته أوفر نصيب من التصرف والظهور. فمركز الروسي من الكون هو أشبه شيء بالوعاء الذي يحوي ويحفظ كل ما يهبط عليه من آفاق الحياة. في حين أن مركز الرجل