للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الروسي عن الشعوب الغربية، وإن كلمة بطلة الرواية صوفيا وهي أنك تحدثني عن الإرادة - والذي أرى وأعتقد هو أن الإرادة يجب أن تسحق وتمحق. هذه الكلمة تبين بأجلى وضوح وأرسخ عقائد النفس الروسية وأعمق أمانيها وأغراضها فرغبة الروسي في تعريض نفسه لآلام الحياة ومنغصاتها وتوقانه إلى إذلال نفسه وقهرها وطرحها تحت أقدام الغير توطأ وتداس، كل هذا يدل على أن الروسي ذو إرادة ضعيفة ضئيلة، وإنه يجد الاستكانة والاستسلام أسهل عليه من محاولته أن يكون مقتدراً قوياً مظفراً منصوراً رفيع القدر، عالي القيمة، وهذا الاستسلام واللين والرقة التي تميز طبيعة الروسي هي منبع فضائله ومناقبه المميزة له على غيره. ولكن التدين عند الغربي له معنى آخر، وهو الرغبة في أن يكون المرء رفيع المنزلة من حيث الآداب والأخلاق قابضاً بيده على سراج الحق المنير متسنماً ذروة الفضيلة والكمال. وأن يكون لي الله المصطفى وصفية المختار. أما معنى التدين عند الروسي فهو مهانة النفس وإذلالها وبخس قيمتها والحط من قدرها، بل محوها وإعدامها البتة، أعني خضوعها وركوعها وتضعضعها واضمحلالها أمام إرادة العرش الأعلى وأمام محبة المرء لأخيه حباً خالصاًَ في سبيل الله. فالذهن الغربي يرقى إلى العظمة بحصر قوة الإرادة في مجال الكد والعمل وإبراز جملة قواه الكامنة. وكفاآته الباطنة. وبدفعه عن نفسه كافة المؤثرات والعوامل التي من شأنها التسلط عليه أو تشويشه أو إضعافه. أما الذهن الروسي فإنه بفضل حرمانه من قوة الإرادة والصرامة والصلابة فإنه يرقى إلى العظمة بما يمتاز به من خلال التوكل والاستسلام والاستكانة وقبوله الحياة على علاتها ورضاه بالمعيشة على آفاتها ورحمته ورثاؤه للمصاب والمنكوب. وعطفه ومواساته للشقي والمكروب. ولا أنكر أنا إذا اعتبرنا الروسي من حيث الحياة العملية وجدناه فاقداً لكثير مما تمتاز به الشعوب الغربية من الفضائل النافعة وحائزاً لمعظم رذائلهم. ولكن رحمته وسخاءه وعطفه ومواساته لمن هو أباس منه وأشقى، هذه الفضائل إنما تصدر وتنجم عن اعتقاده بضعفه وعجزه وصغر قيمته وحقارة قدره اعتقاد المعترف بسلطان القضاء والقدر وبالعجز عن مغالبته ومقاومته. وكذلك إذا تأملنا سيرة صوفيا بطلة هذه القصة وجدنا أن فرط رغبتها في تضحية نفسها وراسخ عقيدتها في أن الحق والصواب هو تعريض النفس لمكابدة المشاق والآلام هو أشبه بأخلاق الروس وغرائزهم من حيث