الفقيه: وهذا معناه أن الناس قد وصلوا إلى عقيدة لا يرضون أن يبيعوها بعقيدتك؟.
الفيلسوف: لو أنها عقيدة مبنية على النظر الصحيح لقدمنا براهيننا ولاقينا الخصم في ساحة الجدال وميدان المناظرة بمثل سلاحه وعدته. . ولكن الأديان لا تقيم عقيدتها على البرهان ولكن على الوحي والتنزيل. وقابلية الاعتقاد أقوى ما تكون في عهد الطفولة. فإذا ألقيت على الإنسان في هذا العهد طائفة من التعاليم والعقائد بلهجة جد ووقار وحمية وحماسة مع نفي كل ما يعترض من الشكوك والريب في صحة هذه المقولات ومع تهديد المرتاب بالخسران الدائم والنكال الأبدي كان لذلك من شدة الوقع ورسوخ الأثر في نفس الإنسان ما يدفعه إلى اليقين التام بصحة ما يلقى عليه بحيث يصبح الشك في صحتها أصعب عليه من الشك في الوجود نفسه. ومن ثم نرى أنه لا يكاد يوجد فرد واحد في عشرات الألوف يستطيع أن يشذ عن الجماعة فيسائل نفسه هل هذا صحيح؟ فمثل هذا جدير ولا ريب أن يسمى قوي الذهن. أما الذهن العادي فتنغرس فيه أسخف السخافات وأبعد المستحيلات إذا ألقيت فيه بالطريقة الآنفة الذكر. فإذاً أفهم مثلاً أن قتل زنديق أو ملحد وسيلة إلى رضوان الله جعل ذلك جل همه وغايته في الحياة كما كان يفعل أهل إسبانيا. وكما كان يصنع فريق من الهنود كانوا يظهرون تدينهم وطاعتهم للإلهة كالي بقتلهم أخوانهم ورفاقهم كلما سنحت الفرصة للاستيلاء على أموالهم وأملاكهم وكانوا قد أقنعوا أن عملهم هذا محمود مشكور يورثهم غفران الله ورحمته ورضوانه ويكسبهم نعيم الآخرة.
ولا بدع في ذلك ولا غرابة فإن العقيدة الدينية المغروسة في الصغر يكون لها من قوة الأثر ما يفسد الضمير ويمحو الرأفة والحنان والرحمة. ولكن إذا شئت أن ترى بعينك قوة تأثير التعاليم الدينية في الصغر فانظر إلى الأمة الإنكليزية. وانظر إلى هذه الأمة التي ميزتها الطبيعة على سائر الأمم ووفرت حظها من العقل والذكاء وحسن التمييز وأصالة الرأي وصرامة العزيمة وقوة الخلق - وتراها مع كل ذلك منحطة المنزلة بين الأمم ساقطة القدر وسط الشعوب لفرط مت قد أفسدت الخرافة الدينية رأيها وشوهت جمال ذهنها - فلقد يبدو هذا العنصر الخرافي وسط سائر مزاياها العقلية ومحاسنها الأخلاقية كفكرة ثابتة راسخة أو بعبارة أدق كفكرة جنونية.