للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يحتقر من دونه من النساء والأطفال والضعفاء. فالحاكم الروماني أول عهد رومة بالحياة السياسية كان مطلق الإرادة لا رقيب عليه ولا حسيب وكذلك كان الأب الروماني في ذويه، والسبب في ذلك أن رومة كانت أمة حربية من قمة رأسها إلى أخمص قدميها. وظل الاستبداد فيها آخذاً برقاب العائلة والأمة إلى أن ضعفت الروح العسكرية، ورجحت عليها الروح الاقتصادية، وقد تم هذا حينما أصبحت رومة إمبراطورية عظيمة تضم بين ذراعيها بلاداً شاسعة وأمما عديدة وقلت بذلك نسبة المشتغلين بالحرب إلى مجموع الأمة فإن الروح العسكرية لا تتوقف قوتها على كثرة الوقائع التي انتصرت فيها الأمة وإنما على نسبة الجنود إلى مجموع الذكور القادرين على العمل فإن كان جميع الذكور جنوداً مستعدين للقتال والنزال كانت الروح العسكرية على أتم قوتها وإن لم يكونوا كذلك وازدادت طبقة العمال والتجار والزراع ضعفت الروح العسكرية بنسبة هذه الزيادة وتقوت الروح الاقتصادية، والأمم الصغيرة المتعادية إذا اتحدت وألفت منها إمبراطورية عظيمة تضعف فيها الروح العسكرية ولو أنها في هذه الحالة تزداد خطراً على جيرانها وتكثر مواطن الخلف بينها وبين ما يماثلها من الإمبراطوريات فإن نسبة المحاربين فيها مهما كانت عظيمة لا تصل إلى النسبة التي كانت في جزئياتها. وهذه هي حال الإمبراطورية الرومانية بعد تأسيسها واتساعها. وهناك أمر آخر جدير بالعناية وهو أن الاحتفاظ بالبلاد الشاسعة التي امتلكتها رومة أوجب عليها ترقي الصناعة والزراعة وإشغال عدد كبير من رجالها في تهيئة أدوات القتال ومعدات النقل لجيشها العرمرم وفي أثناء هذا الرقي الاقتصادي والنمو السياسي كانت المرأة الرومانية تعلو أيضاً حتى وصلت مع الإمبراطورية إلى ما يقرب من الكمال ثم تدهورت وانحط شأنها حينما انفرط عقد الإمبراطورية وتناثرت أجزاءها إلى إقطاعيات صغيرة متعادية فانتعشت الروح العسكرية وضعفت الروح الاقتصادية ولبثت المرأة كذلك مهملة محتقرة حتى انقرضت الإقطاعيات ونشأت على أنقاضها الممالك الحديثة.

والممالك الأوروبية الحديثة ليست كلها على وتيرة واحدة في معاملة النساء لأن الروح العسكرية فيها على درجات مختلفة من الشدة والضعف فمركز المرأة الفرنساوية أو الألمانية أقل من مركز المرأة الإنكليزية لأن الروح الفرنساوية أو الألمانية أميل إلى