للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

(حروف النوطة) ولكنهن بالرغم من ذلك كله يحكمن العالم ويملكن أعنة الوجود - وما ذلك إلا لأن الجمال هو عنوان حقيقة أجل وأعظم من الحكمة.

هنا سألتني السيدة الأرملة ربة الوقار والجد تفسير جملتي الأخيرة.

قلت لها: سيدتي إن الحكمة خلاصة الماضي. أما الجمال فهو ثمرة المستقبل.

هذه كلمة استطرادية ثم نرجع إلى ما كنا فيه فنقول: هبني جلست على مائدة الإفطار إلى جنب رجل إنكليزي ذي فطنة وذكاء. فأول ما يجري بيننا هو أن كلينا ينظر في وجه صاحبه ثم نتبادل بضع كلمات.، وقد قرر كل منا في نفسه شيئاٍ - وهو تحاشي إساءة جليسه واستعمال الرقة واللطف والمبالغة في المجاملة والاحتفاء إذ كانت العواطف التي يشعر بها كل نحو الآخر ودادية محضة. فإذا تنازعنا الشراب. فنفض من حمرته على وجهينا ومن جمرته في دمائنا ازددنا رقة ودماثة.

قالت الأرملة: ما أحسب الذين يتحادثون على الخوان خلقاء أن ينطقوا بشيء من جوامع الكلم أو نوابغ الحكم ولاسيما إذا خالطت رؤوسهم المدام وصدمتهم حميا الكاس قبل الشروع في هرائهم ورطانتهم.

قالت الأرملة هذه الجملة بحموضة مسكرة كما لو كانت ألفاظها قد غمست في مادة (خلات الرصاص) ومثل هذه الجملة كان يسميها زملاء شبيبتي (الطعنة الخلس).

قلت في نفسي لا بد من القضاء على هذه المرأة.

فنظرت إليها وقلت: سيدتي إن المعلم الأعظم السيد المسيح كان مولعاً بالحديث على الخوان لأن هذه العادة كانت في زمن غابر ومكان قصي نسيت عظم قيمتها وجليل مزيتها؟

نسيت أنها كانت ولائم صادقة التف على موائدها أناس جياع ظماء شتى المذاهب والطبقات. ويحتمل أن القوم كانوا يديرون أحيناً أحاديث الخلاعة والمجون. ولا شك أنهم يديرون أكواب العقار.

إن الخمر مهما تكن منافعها ومضاره الصحية فإنها ولا شك أحسن دواء لعلاج الولائم البليدة المملة. ولا يخفى أنه كلما أقيمت مأدبة حرها طائفة من الناس مختلفوا الحالات النفسية والبدنية فالغرض المقصود والحالة هذه محاولة التسوية بين هؤلاء الجماعة في مسافة ساعة حتى يجمعهم صعيد واحد من الأنس والابتهاج والبشر. فالطعام وحده قد يستطيع أن