بإعطاء العهود والمواثيق فلما ظفر بطلبته بني زاوية بجبل أبي قبيس ثم رحل إلى الجبل الأخضر بأرض طرابلس في أواسط القرن الثالث عشر الهجري وأقام به ما يقرب من الثماني سنوات أسس فيه كثيراً من الززوايا واجتمع عليه خلق لا يحصيهم العد. ثم اشتقاقت نفسه إلى البلاد المقدسة فأسرع في العودة إلى مكة وأقام بزاوية بجبل أبي قبيس سبع سنين يعلم الناس الحديث والفقه وغيرهما فذاع صيته واشتهر أمره في الهدى والرشد.
ثم رحل مع أستاذه الشريف الفاسي إلى اليمن فتوفي أستاذه بها فعاد السيد السنوسي إلى مكة وأقام فيها يعمل على طريقته. ثم اضطرب جو السياسية بمكة فرحل السيد السنوسي منها إلى مصر فبنى له عباس باشا الأول والي مصر زاوية على مقربة من باب الحديد خارج القاهرة فعدل عنها إلى كرداسة وهي إحدى قرى مديرية الجيزة وكانت شهرته بالتقوى والصلاح قد أفعمت هذا القطر فتكاثر الناس عليه تكاثر الجراد على جيد الثمار. فلم يلبث إلا ريثما تحول إلى الجبل الأخضر السابق الذكر ورمم هناك قصراً قديماً وسماه بالعزيات وأقام به حولين ولما أنس حب أهل البادية لطريقته. وكان يبغض القرب من الحكومات لكثرة ما بها من الوشايات - استخبر العرب عن أجود البقاع هواء وأجملها جواً فحدثوه عن الجغبوب وهو على ثلاثة أيام من واحدة سيوه فرحل إليه وأقام به ثلاثة أعوام يعمل على طريقته السالفة حتى أتاه الأجل المحتوم سنة ١٢٧٦ فدفن هناك رحمه الله رحمة واسعة - وقد كان مولعاً بالتأليف ومن أشهرها (إيقاظ الوسنان في العمل بالسنة والقرآن) و (السلسبيل المعين في الطرائق الأربعين) و (المنهل الرائق في الأسانيد والطرائق) و (الشموس الشارقة في سماء مشايخ المغاربة والمشارقة).
ثم قام بالأمر بعد ابنه السيد محمد المهدي السنوسي. ومعه أخوه السيد محمد الشريف ينشر طريقة أبيه فتزايد عدد المريدين ودخل الناس في طريقته أفواجاً واتبعه ملك (وداي) وجميع أهل مملكته - وكانت الدولة العلية قد أرادت منه أن يحضر إلا الاستانة فأبى وترك الجغبوب وابتعد عنها ونزل بالكفرة على طريق وداي ومنزلته عند قومه لا تساميها منزلة أحد من الملوك والعظماء وكان قد دعاه أيضاً محمد أحمد المتمهدي السوداني ورغبه في الإسراع إليه ليعقد له على الخلافة بعد ولي العهد فأبى ذلك عليه.
وكانت همته منصرفة إلى توطيد عرى الوفاق بين المريدين وتنشيطهم إلى التمسك بالدين