عن برناردين بيير فيه ضيق الفكر وإسفاف الروح وكان ينتقض بيرون ويتهمه بالسطو على أفكاره وإهمال ذكره وكان يرى أن الناس لا تستطيع فهمه لأنهم أقل وأضأل من ذلك، وجميل كل هذا الغرور من شاتوبريان لصدوره من نواحي العبقرية.
تأثيرات الرحلات في نفسه - طاف شاتوبريان أوروبا وزار الأراضي المقدسة وشواطئ أفريقا وسافر إلى أمريكا فترى من ذلك أنه كان جوابة أقطار وقد زاده ذلك بسطة في الخيال وفسحة في الفكر ومقدرة على الوصف.
مزاجه ونفسيته - أقوي العناصر التي تكون شخصية شاتوبريان عنصران وهما عنصر التشاؤم وعنصر التدين وقد يستغرب الإنسان جمع هذا الرجل لهذين العاملين فإن نور الدين كأن من واجبه أن يبدد دهمة التشاؤم وإن تهب من ناحيته على النفس نسمات القناعة والرضى والاغتباط بالكون وحكمته ولكن بعض أنواع التشاؤم يستصحب الروح الدينية وقد طالما استبهمت حقيقة تلك العلاقة على أفهام النقاد وانطوى سرها عن علمهم وقد سهل اكتناه سرها الفيلسوف الألماني إدوارد فون هارتمان في قوله إن الأصل في الدين هو أن الروح الإنسانية كثيراً ما تلتقي بالشر وتصادفها الخطيئة وينشأ من ذلك أنها تحاول أبداً بحث ذلك الشر الذي يعترض سبيلها وتدبر تلك الخطيئة التي تعتاق سيرها لتعرف مكامنها فتأمن صولتهما.
وإن من يسائل نفسه عن كيفية تصرفها حيال الشر ومسلكها أمام الخطيئة وكيف يلائم بين الشر وبين ضميره القلق من الشر ويوفق الخطيئة وبين روحه النافرة منها - أقول من يسائل نفسه عن هذين أحسبه سائراً على طريق الدين الواصل ومسلكه اللاحب وإن التأثيرات الموجعة التي تتواتر على النفس من ناحية الشر وتترادف عليها من صوب الخطيئة إذا لم ترجع كفتها في الميزان تمام الرجحان انطفأ الحماس الديني المشبوب وخمدت جمرته وكلما اشتد الشك - ذلك الشك الذي يسير على مدرجة التفكير في الشر ويتبع آثار آلام الخطيئة وتم له الانتصار والغلبة على جانب الاقتناع بالدنيا والابتسام إليها وكلما كان التشاؤم له الشعب الأوسع من النفس والجانب الأكبر فيها، وكلما امتد رواق سلكته على سائر منازع النفس وأميالها راح الدين وهو على أساس ثابت الدعائم موطد العمد، وإذا غاب عن النفس ذلك التوجه إلى التشاؤم امتنع على الدين أن يسير على سجيته