للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

في ذلك أنهم يميلون إلى تفهم الماضي وفحصه ليقيسوا عليه المستقبل فيتقدموا نحوه بقلب مشبع وجأش رابط.

ومن هنا تطرق إلى شاتوبريان الميل إلى التاريخ فقد كان دائم المسير في صحراوات الأزمنة الخالية متجولاً بخياله في أطلال الأمم القديمة البالية كأنه يرى سكناً للنفس في أطلالها الدوارس وآثارها العوابس وأحوال الأمم في عصور الانتقال لا تبعث على حسن الظن بالحياة ونكتفي بهذه الإلمامة في وصفها.

أخلاقه وأطواره - كانت أخلاقه نارية مستعرة هائجة مثل أمواج البحر المغتلمة منظرها يبث الروعة في النفس ويتغشى القلب حيالها مسايل الإعجاب والرهبة ولكنها كميا البحر مرة المذاق لا تجد النفوس سبيلاً إلى إساغتها وكانت نقمته تترامى إلى كل غاية وتريد أن تبلغ شأو كل مطلب ولما كان لا يجد في الوجود شيئاً يعقد به حبه كان يرجع إلى نفسه فيقصر حبه عليها وتظهر هذه الصفات في الكاتب إذا اصطدم بروح عصره فقد كان عصره عصر الحاد وسخرية بالأديان وكان هو متديناً وكانت الديموقراطية تتمشى مبادئها وهو أرستقراطي متحامل على الديموقراطية ويرى فردريك أميل في شاتوبريان نفساً معذبة وحياة بائسة شقية ولكنها مشرقة بأنوار الفخار متألق في أضاء العظمة وإنك لتلمح من كلماته عظمة الحزن وجلاله وروعة الأسى وفخامته.

وقد كان قوى الروح محتدم العواطف جم الاحساسات حافل شعاب الفكر بكل سري من الخواطر عبقري من الأفكار وكان خياله متوثباً جوالاً يمر بين الزمن الماضي والحاضر عن كمال يتغنى به وعظمة يشيد بذكرها ولم يكن خياله على اتساعه من تلك الخيالات التي تؤثر على النفس بما تعرضه على الذهن من تهاويل وصور الفكر المجرد كما ترى ذلك في أصاغر الشعراء ومقعدي الكتاب بل كان أساسها الشعور المتدفق الجائش في حنايا أضلعه والفائر في مطاوى نفسه ولقد كان شديد الشعور بنفسه وبعظمتها إلى حد الطفولة، والغرور الذي كان متمسكناً من نفسه يذكرنا بغرور البحتري وهو غرور مقبول حين الموقع في النفس.

وقد كان شاتوبريان يزدري أدباء عصره ويدعوهم بالأقزام الذين يلوثون بالأدب ويدنسون أديمه النقي وصفحته الطاهرة وكان ينتقد من تقدمه من الأدباء بكلمات قارصة ومن أقواله