للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ولقد كانت أخلاقي وأحاديثي واحساساتي متناقضات متنادة سوداء مظلمة ولكن هل يعرف الإنسان دائماً قيمة نفسه؟ وهو هو دائم الوثوق بما يدور في خلده من الأفكار ولقد فشلت في كل شيء وخدعتني الصداقة وغرتني الدنيا والعزلة.

ولما كنت منبوذاً من المجتمع متروكاً من أمليا وأصبحت الوحدة لا تسر خاطري ولا تحث لي سلواً صرت أقول في نفسي لماذا أبقى على قيد الحياة؟ لقد كانت أمليا مٍجنى من عاديات الزمن الزمن وموثلي من ظلم الليالي والآن قد تركتني، ولما وقر في عزمي أن أطرح عن كاهلي أعياء الحياة عزمت على أن أصب كل همتي إلى ناحية هذه الفكرة النزقة ولم يكن هناك ما يبعث على الإسراع في إتيان هذا العمل ولم أضرب موعداً لساعة مبارحتي الحياة لأتملى من محاسن الوجود قبل الرحيل عنه ولأستجمع قواي كي أحس خروج الروح كما كان يفعل القدماء ورأيت من الضروري أن أعد التدابير اللازمة لما تمتلكه يدي من أمتعة فجبرت على أن أكتب لامليا كتاباً يحوي شكوى قصيرة من نسيانها لي وإهمالها لشأني وذكرت في تضاعيفه شيئاً قليلاً عن الحزن الذي قد أخذ بزمام قلبي وحسبت بذلك أنني قد واريت عنها ولكن أختي تعودت قراءة ما في سريرتي بدون عظيم مشقة وقد راعها التكتم الذي ينم عنه الخطاب وكثرة سؤالي عن أشياء لم أكن أهتم بها من قبل فلم ترد علي ولكن فدكت بنفسها وإذا أردتما أن تدركا مقدار فرحي برؤيتها فينبغي أن تعلما أنها كانت الشخص الوحيد الذي أنيط به حبي وأعقد به رجائي وإن كل شعور اختلج نفسي متصل بها فهي رفيقة طفولتي وأليفة أيامها الرائقة النضرة واستقبلت امليا بفرح شديد وكان قد مضى زمن لم أجد فيه من يفهمني ومن أفتح له مغاليق نفسي وأنشر له مطاويها وقد ألقت امليا نفسها بين ذراعي قائلة أيها الناكر للجميل أتريد الموت وأختك باقية في الدنيا؟ أتستريب في حبها لك؟ ولكن لا تعتذر عن نفسك فإني عرفت أميالك بحذافيرها كأني كنت حاضرة أملاك. أتظنني من اللواتي يرجح خداع الناس بأميالهن وأنا التي شاهدت نشأتك وميلاد عواطفك ولكن باعث كل هذا شقاء نفسك وتبرمك بالحياة وبعدك عن شرعة الإنصاف فتقسم لي الآن بكل محرجة من الأقسام وأنا أضمك إلى قلبي أن هذه آخر مرة تلقى فيها مقاليد نفسك إلى النزق والطيش وإنك لن تعود إلى التفكير في الانتحار.

وكانت وهي تنطق بهذه الكلمات تنظر إليّ نظرات ملؤها الحنو والشفقة وكانت تغطي