للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

أنك لا ترد ذلك وأن تقبله دليلاً على حبي لك وانعطافي نحوك.

* * *

ولو أن صاعقة سقطت إذ ذاك عند قدمي لما أحدثت في نفسي الذي أحدثه وقع ذلك الخطاب فما كنه ذلك السر الذي سترته عني امليا؟ وما الذي بعثها فجأة على الإقامة في الدير؟ وهل جملت في عيني الحياة بما خلعته عليها من رونق ودادها الساحر لتتركني على عجل ولم جاءت إليّ وجعلتني أصدف عن خطتي ولقد بعثها إلى دافع الشفقة ولكن لما اعتراها التعب بغتة من تلك المهمة الشاقة نأت بجانبها عن بائس لا يعقد الآمال على غيرها ولا يفكر إلا فيها ومن غرائب الأمور أن الناس يعتقدون أنهم يحسنون صنعاً إلى من منعوه موارد الانتحار وبقد كنت أشكوها إلى نفسي قائلاً يا امليا يا ناكرة الجميل وجاحدة الفضل لو كنت أنت مثلي قد ضللت السبيل في صحراوات الأيام لما كنت أتحامى القرب منك وأتسلى عن بعادك ولما أعدت قراءة الخطاب تبينت فيه أثر الألم والحزن فأجدّ ذلك جروح قلبي المندملة ثم أومض لي بارق فكرة أنارت في ليل حيرتي وشكي وهي أن امليا قد تكون أحبت إنساناً وكتمت حبه ولم تجرأ على الإباحة بهواها وقد تراءى لي أن هذا الظن يوضح كل ما التبس حزنها وبواعث كآبتها والرسائل الغريبة التي كانت ترد إليها وذلك الحزن الذي يلوح من خلال خطابها فكتبت إليها فوراً متوسلاً إليها أن تكشف لي عن أسرها فأسرعت في الرد ولكن لم تطلعني على جلية أمرها وقالت لي أنها حصلت على إذن لتتدرج في صفوف المتقدمات للرهينة وأنها عن قريب ستقسم اليمين فاتقدت غضباً من إصرار امليا ومن غموض كتابها والتوائه علىى الفهم وعدم ثقتها بمودتي وبعد أن أعملت الفكر وأجلت النظر فيما أفعله حيال ذلك نويت الذهاب إلى ناحية (ب) حيث أبذل هناك ما في طوقي وكانت الديار التي نشأت فيها على الطريق ولما رأيت الغابات التي أمضيت فيها الأيام الزاهرة من حياتي لم أستطع حبس الدموع وإمساك أرسان الأشجان وكان يعز علي أن أمر عليها بلا وداع وأودعها بلا سلام وكان أخي الأكبر قد باع ميراثه ولكن المشتري الجديد لم يسكن في القصر وقد وصلت إليه من ممشى محفوف بالأشجار وكنت أمر بأطرافه المهجورة وكنت أمشي على مهل أنظر النوافذ المقفلة والمكسورة والشوك الذي ينمو عند جدران الحيطان والأوراق الجافة المنتشرة على اوصدة