للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الأبواب والبهو الذي كان يجلس فيه والدي مع خدامه وحاشيته وقد كانت السلالم يعلوها الطحلب وكان زهر الحيطان الأصفر نامياً بين أحجارها القلقة المهتزو ثم فتح حارس لا أعرفه الأبواب بخشونة فترددت في الدخول فصاح بي الرجل أظنك ستصنع صنيع تلك الغريبة التي جاءت هنا من منذ أيام وعند دخولها أغم واضطررت إلى حملها للعربة وكان من الواضح أن أعرف تلك الغريبة التي جاءت مثلي تودع تلك الأماكن البكاء والعبرات ومواقف الذكر والحسرات ثم سترت عيني بالمنديل ودخلت تحت أسقف ديار قومي وطفت المخادع التي لم أكن أأسمع فيها سوى صدى أقدامي وكان بالقاعات ضوء كليل من الأشعة الضئيلة الداخلة من خلال النوافذ المقفلة وزرت القاعة التي ماتت فيها والدتي والقاعة التي كان يعتزل فيها أبي والقاعة التي كان فيها مرقدي والأخرى التي نشأت فيها الصداقة بيني وبين أختي امليا وكانت كل القاعات عريانة مجردة وكنت أرى هناك نسج العنكبوت ثم خرجت مسرعاً إرجاع لطرف إلى نواحيها فما أرق حواشي الأيام الماضيات إذ عقد الأخوان منتظم وشملهم ملتئم وإذ حلو المذاق وكأس المسرات مترع دهاق ولكنها قصيرة العمر سريعة المر كأنها خطف الوميض يعارض مبراق فإن نفس الله يفرقهم كالدخان فلا يعرف الابن أباه وينكر الوالد ولده وتنسى الأخت أخاها ويتشاغل الأخ عن أخيه وإن شجرة البلوط تضم حولها صغارها ولكن ليس هذا حال بني الإنسان ولما وصلت إلى ناحية (ب) توجهت إلى الدير وطلبت أختي وسمعت أنها لا تقابل أحداً فكتبت إليها فأجابتني أنه ليس في الحق أن ترسل أي فكرة في الدنيا بينما هي تكرس حياتها لله وإني إذا كنت صادقاً في حبي لها أتحاشى أن أقلقها بأحزاني ثم أتبعت ذلك بقولها ولكن إذا كان في عزمك الحضور يوم حفلة دخولي الرهبنة فإني أختار لك أن تمثل فصل الوالد وهذا ما يليق بكرامتك وما يجدر بصداقتك.

ولما قابلت بين هذا الإصرار الجاف وبين حماس صداقتي الشديد كاد يطير عقلي ويذهل لبي فكنت أحياناً أحاول العودة إلى منزلي ولكني آثرت البقاء لأبدد نظام الحفلة وقد كان يوسوس في نفسي الشيطان أن أنتحر في الكنيسة وإن أمزج زفراتي الأخيرة بالأنات المتصاعدة من أختي وقد أخبرتني ربة الدير أنهم قد أعدوا مقاعد في المحراب ودعتني لحضور الحفلة التي ستقام في الغد وعند انفجار عمود الفجر سمعت أول دقات جرس