للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

يوماً من الايام أجمل منها في ذلك اليوم ولقد كانت عينها النادمة موجهة نحو الأرض ولكن روحها كانت تحلق في السماء ولم تكن امليا قد حلفت اليمين بعد ومن أجل أن تموت من نفسها كل رغبات الدنيا كان لا بد أن تمر من جوف قبر وقد رأيت أختي راقدة على الرخام وعليها غطاء وكانت أربعة مشاعل تزهر في الأركان الأربعة وكان القسيس وهو ملتف في برد أسود وفي يده كتاب قد بدأ الجناز ثم أكملته الراهبات فما أشد السرور الديني ولكن ما أروعه وما أهوله ولم أتمالك عن الركوع حيال هذا المنظر المحزن ثم سمعت بغتة من ناحية المقبرة أنيناً مضطرباً فانحنيت قليلاً وهنا اصطدمت في أذني تلك الكلمات الهائلة (التي كنت أنا المقصود بها) ليت الله يقدر لي أن لا أعود من تلك الرقدة إلى الحياة ويرسل كل رحمته على أخي الذي لم يشاركني في أميالي الأثيمة وهنا انبلج لناظري صبح ذلك السر وغبت عن صوابي وسقطت على الرداء وضممت أختي في ذراعي وقلت يا من وهبت حياتك للسيد المسيح دعيني أعانقك العناق الأخير وأنت في هاوية الموت التي ستبعدك عن أخيك.

وقد بددت هذه الكلمات وما أعقبها من سيل الدموع وانهمارهما نظام الحفلة فتوقف الراهب وأقفلت الراهبات النافذة وانصبت جموع الحاضرين إلى المذبح وحملت وأنا مفقود الرشد ولست أحمد صنيع هؤلاء الذين ردوا عليّ مشاعري وعلمت عند رجوع إحساسي أن الحفلة قد تمت وأن أختي أصيبت بحمى شديدة وأنها طلبت مني أن لا أراها فيا للهفة والشقوة! أخت تخشى محادثة أخيها وأخ لا يستطيع محادثة أخته ثم تركت المعبد كما نخرج من مكان تطهير الأرواح حيث اللهب المتطاير والنار المشتعلة يمحوان عنا الآثام ويؤهلاننا للدخول إلى النعيم المقيم والسرور المخلد ولقد نجد في نفوسنا قوة عند مقاومة النكبات التي تحل بنا وتنحت من جانبنا ولكنه يصعب علينا أن نحتمل تبعة شقاء غيرنا ولما أحطت علماً بأسباب شقاء أختي وضحت لي جملة حوادث كانت من قبل مبهمة مثل ذلك المزيج من الفرح والسرور الذي لاح على امليا عند ما كنت أودعها مسافراً لجوب الأقطار وذلك الحذر الذي كان من دأبها عند عودتي وذلك الضعف الذي كان يحجزها عن الذهاب للدير ولقد كان سبب المكاتبات التي تردها عزمها على اللحاق بالدير ورغبتها في ترك ما تمتلكه لي ولقد ذقت الآن إراقة الدموع على الهموم الخارجة عن دائرة الأوهام