للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الغير المكسوة بأثواب الخيال ولما كانت أهواء نفسي طويلاً بدون وجهة تنحوها وغاية ترمي إليها انثالت كلها وأقبلت من كل مشعب إلى هذا الحزن الجديد ولقد صرت أشعر بضؤب من ضروب القناعة في بلوغ همومي الكمال وقد سرني أن أعلم أن الألم ليس من الميسور أرهاقه مثل السرور ولقد كنت أريد هجران الحياة قبل الساعة التي يريدها الله.

ولقد كان ذلك إثماً وقد أرسل الله امليا لتنقذني من حبائله ولتنزل بي العقاب وإن كل فكرة أثيمة أو كل عمل أثيم يسوق إلى النفس رسل الشقاء ولقد توسلت إلى امليا أن أرتضي الحياة وأن لا أأدبر عنها وكان ينبغي لي أن لا أزيد في شقائها. ولقد صرت الآن لا أرغب في الموت وهمومي حقيقة ملموسة ولقد صارت الهموم تملأ جو نفسي وقد كان قلبي بطبيعته وتركيبه كأنما قد صيغ من الضجر والملل ثم تمشي ببالي أن أهجر فرنسا وأرحل إلى أمريكا وفي هذا الوقت كانت هناك عمارة بحرية تتأهب للإبحار من ميناء (ب) إلى لويزيانا فاتفقت مع أحد رؤساء سفنها على الرحلة معه وأعلمت امليا بذلك العزم وأعددت لوازم الرحلة وكانت أختي قد قاربت الموت ولكن الله الذي قدر لها حياة في الدير أطول لم يدعها إلى جواره ولما عاودت الدخول إلى طريق الحياة ذلك الطريق الوعر الذي حفت به المخاطر وأطاف به الهلاك تقدمت ثبتة الجنان ساكنة الطير لملاقاة أحزان الحياة غير ناظرة سوي تباشير الانتصار وآيات الظفر ولقد كانت ترى في وفة الآلام وتكاثرها غاية الفخر ونهاية العظمة.

وبيعي الأملاك التي كانت باقية لي والتي سلمتها لأخي والتأهب الطويل للرحلة وهبوب رياح مضادة أطالت كل هذه الأسباب انتظارنا زمناً ليس بالقصير في المرسى وكنت في كل يوم اذهب لأتنسم أخبار امليا واستطلع حوادثها وكنت أعود أدراجي وقد ثارت بنفسي عوامل جديدة تبعث على الشفقة وتدعو إلى الاعجاب وكنت أطوف بلا انقطاع حول الدير القائم على شاطئ البحر وكنت ألمح في نافذة صغيرة ذات قضبان حديدية مطلة على الساحل المقفر راهبة عليها سيما التفكير وكنت أراها تسرح النظر في المحيط حيث الأمواج تهز السفن التي ستقلع إلى أقصى نواحي الأرض وفي ضوء القمر كنت أرى الراهبة نفسها في النافذة ذاتها يشغلها التأمل في المحيط وقد أضاءته أنوار القمر وكأنها كانت تتسمع إلى أرانين أمواج المحيط وهي تنكسر على الساحل المهجور في حزن