يعودون وقلوبهم طافحة باليأس وكلمات الكفر جارية على ألسنتهم - هكذا كانت تلك الأزمان كأزماننا هذه ولكن لم يكن ذلك آخر عهد الدنيا ونهاية الحياة ولكن كان آخر صفحة من صفحات التقدم والرقي وكانت تطوي لتنشر صفحة أخرى ويقبل عصر جديد قد لاحت بشائره وأقبلت بوادره ولقد كان العالم إذ ذاك يتهيأ لاستقبال السيد المسيح الروح الملأى بالحب والتقديس ولقد حنا أضلاعه على ذلك العالم ونفث فيه يقيناً هو الحب والتضحية.
أيها المجاهدون لغرض سام وشريف تدرعوا بدرع اليقين واشعروا قلوبكم عز الحق الذي أيها الداعون إلى الحق الذي لا تغَره الدنيا اليوم المجالدون في الحرب المقدسة لئن دعاكم العالم اليوم بالثار سن المتمردين فغدا هذه الدنيا الغير الوافقة بكم ولا الحافلة بأموركم غداً تدين لكم منه الرقاب المتطاولة وتخشع العيون الطامحة وتتطامن أمامكم المفارق وتنكس الأعناق وإن الشهداء هم الأولياء عندنا والقديسون والأبطال هم قساوستنا وقوادنا الروحيون وإن الأعمال الكبيرة هي توسلاتنا وصلاتنا التي نصل بها إلى عليبن ولقد حث بروما في ذات يوم من أيام القرن السادس عشر أن جماعة ديوان التفتيش انتظم سمط أعضائها ليعقدوا أمراً ينكر دوران الأرض وكانوا يزعمون أنهم يعلمون خفيات كل مكتم وأسرار كل مجهول وأنهم ستمدون واسع سلطتهم ويستقون غزير علمهم من الله وكان واقفاً أمامهم سجين يرسف في ثقيل القيود ينتظر يصبر ما تصطفق عليه آراؤهم في أمره وكانت أنوار العبقرية تضيء معالم وجهه وكان هذا الأسير قد سبق عصره وجاء قبل أوانه وكان قد استل من صدر الزمن سراً من أسرار الكون الخفية الجليلة وذلكم السجين هو جليليو - هز ذلك الشيخ رأسه الوقورة الصلعاء وقد أخذت نيران الثورة تدور في نواحي نفسه التي قد تملأت من الغضب من هذه النفوس المغلقة والإحساسات الراكدة التي تروم إرغامه على إنكار حق اجتلى نوره وانبلج لعينه صبحه ولكن الآلام التي ألمت به وما قاساه من عنت الأسر قد نقضت مرته وألانت شكيمته ولما كان يخشى ضير وعيدهم ويود لو يستدفع إذا هم كاد يلين لهم ويغلب على أمره حيالهم فرفع يديه ليقسم اليمين ولما كان يحرك يديه رفع عينيه الكليلتين للسماء التي ظالما أجال في طرفه الليالي الطويلة ليطالع في صفحتها سطراً من قوانين الكون ونواميسه فلمح أشعة الشمس التي كان لا يخالطه الريب في ثباتها وسط العوالم المتحركة فتمشى في قلبه الندم وصاح من أعماق نفسه، لكنها تدور وقد كرت على