للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أكفان الفناء وتطلعت أمم أخرى غيرها رافعات الرقاب كأنها تشرئب لرؤية مصارع الأمم الزائلة وقد عم آفاق البسيطة وطار لعناً السماء صوت أجش أجوف كصوت الفناء والانحلال وقد علت الخليقة رجفة فاهتزت السموات وزلزلت الأرض وكان الإنسان إذ ذاك مكفهر الطلعة جهم المحيا يثير منظره المخاوف ويبعث على القلق ولقد كان واقفاً بين أبديتين لا يعرفهما فقد كان يجهل الماضي وصوره المطوية ولا يدري المستقبل وما تضمره له بطون الغيوب وكانت القلوب إذ ذاك فارغة من الإيمان مقوية من اليقين وكانت الجوانح قد أظلت من أنوار التقية بالله والاعتقاد بالجماعة وكان الاجتماع قد تخلخلت أركانه وامتزجت أموره وكانت هناك سلطة حاكمة واهنة متعثرة في حمأة الخطيئة ووهدة الشهوات وكان هناك مجلس أعيان يعيد في الذاكرة رسم العظمة الخالية وكان يهب الأموال ويقيم التماثيل للظلمة المستبدين وكانت هناك عصابة من الرؤساء قد اشتد بينهم حب المنافسة والمباهاة وفريق من الجواسيس ولمة من السفسطائيين والأذلاء الخاضعين وكانت المبادئ الكبيرة قد سدت عليها المطالع وأخذت المسالك وكان الناس ايأبهون لغير الماديات وكانت الوطنية الصادقة قد طار طيرها من أوكان القلوب وكان صوت بروتس مقبلاً من ناحية القبور يقول للعالم أيتها الفضيلة ما أنت إلا كلمة وكان هناك طائفة من ذوي النفوس النبيلة الصالحة والضمائر العفة النازهة وقد تماسكوا عن الدنيا إبقاء على نقاوة عقولهم وصفاء أرواحهم من العيوب الفاشية من إطراح وطنية ومن إقلاع عن فضيلة ولم كانت الأرواح قد تضاءلت استبدت الحواس بالناس فحامت نفوسهم على الشهوات وكانت هممهم لا تترامى إلى أبعد من طلب المعاش ونهمة الدنيا وكانت الفلسفة قد تحيف جانبها الشك وأصبحت أبيقورية ثم فنيت في زوابع من الرياح الكلامية وكان الشعر قد تحول إلى أهاجي ومقذعات ولقد كان الإنسان وهو يجتاز هذه المرحلة من الحياة يقف الفينة بعد الفينة قلق الخاطر غير مستقر النفس كالريشة في العاصف الماثر وكان يقف وقد توحشت ألحاظه ووجب قلبه من هول الوحدة التي تحيطه وكانت أصوات الخوف تدوي في جوف الليل الموحش على قوارع الطرق وكان بعض الأفراد وقد أثاره الخوف ينهد إلى تماثيل الآلهة العريانة الباردة التي كانت تعيد في الأيام السالفة وينظمها بالقبلات كأنما قد مسه عارض من الجنون وكانوا ينفخون في غير مكدم ويمون من اليقين الديني بناء غير مرموم وكانوا