للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مجاريها إلى مصب واحد تنساب فيه القوات المختلفة ويستلزم عزيمة صارمة وهمة ماضية واعتقاداً راسخاً بأن ذلك الغرض ليس بالممتنع وليس من المستحيل إدراكه ويستصحب ذلك الاعتقاد بقوة سامية مرهونة الجانب مشرقة على هذا الكون ومطلة على هؤلاء المجاهدين في سبيل الوصول إلى ذلك الغرض.

إن الأفكار الكبيرة تخلق الأمم الكبيرة فلتكن حياتنا وقفاُ على فكرة كبيرة وفي ذمة غاية سامية وأفسحوا أفق أفكار الشعب ووسعوا نطاق معرفته وحرروا الضمائر من رق المادية الجاثمة على النفوس واجعلوا قبالتهم رسالة كبيرة وإن المصالح المادية عند ما يمسها الضرر تنجاب ظلمتها عن الفتن والقلاقل لكن المبادئ الكبيرة هي التي تتفجر عن الثورات الهائلة وإن اليقين ينفخ في الشعر روحاً قوية فيترجم لنا الشعر عن تلك الآمال المتراميات الجوابة في نفوسنا ويسربلها في أضوائه فيزيدها جمالاً في النفوس وإشراقاً وبهجة وإتلافاً وسيرتل الشر على مسامعنا أنغام التضحية ويسمعنا أناشيد الأحرار المقهورين ويترنم بذكر تلك الدموع التي تمحو الآثام ويصف لنا تلك الأحزان الجليلة التي تنفي النفس ويليح لنا بصور عظمة الماضي الملتفة حول مهد الزمن الحاضر وسيرقرق الشعر أنداء العرب المطوية على الأشجان وسيعلم الشعر الناشئين المترعرعين والذين لا تزال تندي على جوانبهم ظلال الشباب شريف التضحية وعظمة الثبات وفخامة الصمت وكيف لا يستكينون للشدائد إذا حفتهم منفردين الوحشة المخيفة وكيف يتقدمون برباطة جأشن فلا يتغشاهم الخوف وعن يمينهم السهام الصوارد وعن شمالهم البارقات الرواعد وكيف لا تخالج نفوسهم الشكوى والملل في السنوات الطويلة من الكمد والبرجاء والجروح الدامية الغيبة ويلقنهم اليقين بالمستقبل فلا تتراخى عزائمهم عن السعي ولا تكل هممهم عن العمل وإن كان الموت قد يستلب حياتهم قبل إقبال ذلك الزمن البسام المستنير الذي يعملون من أجله ويذيبون أنفسهم على جوانب الدهر في طلبه.

لقد أتى على الدولة الرومانية حين من الدهر كانت فيه الأزمان ملفوفة في أردية الظلماء وكانت السماء خاوية مقفرة وكانت الإنسانية تسير ضاربة في تيه الضلال وبيداء الحيرة وقد خيمت فوقها الوحشة الرهيبة وأحاطت بها المخاوف المرعبة وكانت تقف وقفة الحائر اللهف في دهش وذهول وقد اختفت إذ ذاك أمم بأجمعها من وجه الأرض وأدرجت في