للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم أفاق وصحا. وعاد جلمد الفؤاد متحجر الحشا. وقال لقلبه مالك وللهيام والصبا. إنما شأنك الدورة الدموية وتدبير مجراها. وتصريف مسراها. وقال لذهنه مالك ولعالم الخيالات والأوهام. والأباطيل والأحلام. الذي يسمونه الهوى. ويدعونه الصبا. فدعك من هذا وخذ في المحسوسات والملموسات. وانعم بطعمة شهية. ورشفة هنية. وغادة بضة طرية. واغتنم اللذة اغتناماً. والتهم المسرة التهاماً وانتهب من قيضة الحظ من المناعم ما استطعت انتهاباً.؟؟؟؟؟ من حوزة الدهر من المطارب ما وجدت إلى ذلك السبيل انتهاباً.

خذ من زمانك ما أعطاك مغنما ... وأنت ناه لهذا الدهر آمره

فالعيش كالكاس تستحلي أوائله ... لكنه ربما مجت أواخره

وكذلك أصبح ومذهبه في الحياة إنها وليمة يجلس الحي على خوانها ساعة ثم يخرج إلى العدم. فهو أبداً على خوان الحياة يخطف ما وصلت إليه يده، وعينه أثناء ذلك ترتقب شيخ الغول المخوف المسرع إليه في ظلم الغيب وحجب القضاء - الموت.

وقال لي هذا الصاحب يوماً أي أوكتاف: يلوح لي من شواهد أحوالك أنك ترى في الحب رأي الشعراء والروائيين كما وصفوه في تصانيفهم. فأنت على الأقوال لا الفعال تعوّ ل وتعتمد. ومنشأ هذه السفسطة والقياس الفاسد وهذا يجلب عليك شراً كبيرا.

فاعلم رعاك الله أن الشاعر يصور الحب كما يصور النحات الجمال، وكما يبتدع الموسيقار النغم، أعني أن هؤلاء الثلاثة لما كانت الطبيعة قد وهبتهم جهازاً عصبياً دقيقاً حساساً تراهم ينتقون ويختارون بحذق وتحمس أصفى وأنقى عناصر الحياة وأجمل وأبدع أصناف المواد التي منها يؤلفون ملحهم وتحفهم، وأشجى وأرخم أصوات الطبيعة. يروى أنه كان في أثينا عدد جم من الفتيات الحسان. فقام المصور بركسيتيل فصورهن جميعاً واحدة بعد أخرى. وكانت كل حسناء من هؤلاء مهما أفرط جمالها لا تخلو من عيب واو في منتهى الغموض والدقة.

فعمد ذلك المصور إلى هذه المجموعة العجيبة فاختار من كل واحدة أملح ما فيها وكوّن من هذه المختارات صورة القصوى في الحسن الإحسان. والمثل الأعلى في الإبداع والإتقان - وسماها فيناس الزهرة ربة الجمال. وكذلك لأول من ابتدع آلة الموسيقى وضع لهذا الفن قواعده وقوانينه كان امرأ قد طالما أصغى إلى وسوسة النسيم عذبات الأغصان. وسجع