للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الحمام على منابر القضبان. وكذلك الشعراء الذين عرفوا الحياة لما رأوا الجم الكثير من غدرات العشاق. وفجرات من كانوا يظهرون الصبابات والأشواق. وأبصروا الملائكية. فصلوا عن الطبيعة الإنسانية كل ما يدنس أردانها ويشوه محاسنها من الخبائث والخسائس فخلقوا تلك الأسماء الغريبة الخفية التي ما برحت تتنقل على السنة الخلق من عصر إلى عصر ومن جيل إلى جيل - دافنيس وشلو وهيرو ولياندار وبراميس وثسبي

فالدي يفتش في الحقيقة الواقعية عن مثل ما كان لتلك الأسماء الخيالية من الحب والصادق والهوى العذري كالذي يفتش في الشوارع العمومية عن نساء في مثل محاسن فيناس أو كالذي يشتهي أن يسمع من الحمام والبلابل ألحان الموسيقا البديع بيتهوفن

الكمال لا يوجد فتفهم معانيه هو أقصى ما يبلغه الذهن البشري من ذوي النبوغ والعظمة. ولكن الرغبة في امتلاك الكمال هو أقصى درجات الحمق والسخافة

افتح نافذتك يا أوكتاف - ألا ترى أمامك اللانهاية؟ ألا تشعر أن الجو لا حد له ولا غاية؟

ألا ترى أن عقلك يوحي إليك بهذا؟ ولكن هل تستطيع إدراك معنى هذه اللانهاية؟ وهل في مقدورك وأنت الفاني ابن الفاني والمحدود بن المحدود والمولود بالأمس والهالك غداً - هل في مقدور من هذا شأنه وهذه حاله أن يتصور أن شيئاً يكون بلا غاية ولا نهاية؟ إلا فاعلمن أن هذا المشهد الهائل - مشهد اللانهاية مازال أعظم داع إلى الجنون في كل قطر من أقطار العالم. وهذا المشهد مشهد اللانهاية هو المصدر الذي نبعث منه الأديان والعقائد.

ولقد روي أن البطل الروماني العظيم كاتو قد انتحر ليخرج من العالم المحدود إلى العالم العديم الحدود، أعني أنه ألقى ما يملك من عالم الفناء ليملك عالم الخلود واستغنى عن هذه الحياة المحصورة ليحرز تلك اللانهاية. ومن أجل إحراز هذه اللانهاية ألقى القديسون من طوائف عيسى والمتقون والأبرار والصالحون والمصطفون والأخيار بأنفسهم على ألسنة النيران الحامية. وفي لهوات الوحوش الضارية وقذفت شيعة الهيوجينوت في يوم القديس بارثيلوميوس وغيره أنفسهم أسنة رماح الكاثوليك وظبي سيوفهم. وكل شعوب الدنيا وأمم الأرض قد مدوا أذرعهم إلى هذه اللانهاية وودوا لو يقذفون بأنفسهم في أعماقها وكم ترى المجنون يود لو يملك السماء ولكن العاقل الحكيم يعجب بها وطرب فيخر لها ويركع وبذلك يرضى ويقنع.