فالكمال كاللانهاية كلاهما لا ينل ولا يدرك. وما لنا خلق ولا جد. وما كان لنا أن نرجو الكمال في أي كائن أو نبتغيه في أي شيء - من حب أو جمال أو سعادة أو فضيلة. ولكن على المرء أن يتمادى ويغرق ما استطاع في حب الكمال ليكون فاضلاً طاهراً سعيداً.
فهبك أنك تملك صورة من صنع المصور الخالد روفائيل وأنك تبصر في هذه الصورة آية الكمال. ثم هبك أنك بينما تتأملها ذات يوم وتدقق النظر في أجزائها وتفاصيلها عثرت في بعض أركانها على عيب - عضو مكسور أو عضلة غير طبيعية كالذي يرى في إحدى ذراعي (المصارع القديم) فإن ذلك سيحزنك بلا شك ولكنه لا يحملك على إلقاء الصورة في النار. بل أقصى ما تقوله إذ ذاك هو إن الصورة لم تبلغ حد الكمال ولكن فيها من المحاسن الجم العديد.
(إن من النساء ما يكون لهن من كرم الطباع وحسن الوفاء ما يمنعهن من اتخاذ حبيبين في وقت واحد. وعساك ظننت خليلتك من هذا الصنف وحبذا لو كانت ولكنك علت أنها خدعتك. أفكان ذلك موجباً لأن تحتقرها وتسيء معاملتها وتراها أهلاً لبغضك ومقتك!
(فهب يا أوكتاف إن هذه المرأة لم تخدعك ولم تخن عهدك ولم تشرك بك حبيباً آخر. أفكان حبها إياك مع هذا كله بالغاً حد الكمال أو قرابه. كلا فما كان أبعده من الكمال من كل ذلك وما كان أقله وأضأله وأشده تقيداً بأوضاع من بعدك.
(فتأمل ذلك تدرك أن الذي يطيح بك الآن في مهواة اليأس هو معنى الكمال الذي أسندته إلى خليلتك ثم أتضح لك أنه زور وباطل فمتى علمت أن هذا المعنى - أي الكمال - لم يكن في ذاته إلا ضئيلاً بشرياً محدوداً علمت أن ارتفاعك أو هبوطك درجة في ذلك السلم العفن القذر - سلم النقص والعيب البشري إنما هو أمر حقير تافه.
(أنت لا تنكر أن خليلتك قد كانت تحب وسوف تحب أناساً غيرك. فعساك قائلاً لي إن هذا لا يهمك ما دامت تحبك ولا تشرك معك غيرك ولكني قائل لك إذا كنت توقن أنها قد أحبت سواك فسيان كان ذلل بالأمس أو منذ عامين وإذا كنت توقن أنها ستكون لها معشوقان فماذا يهمك إلا مرة واحدة فماذا يعنيك دام ذلك عامين أو ليلة واحدة.
أأنت رجل يا أوكتاف؟ أفلا ترى الأوراق عن شجرها تتساقط انتثاراً؟ والشمس تشرق ثم بالحجاب تتوراى؟