ومما يدعو إلى الدهشة والاستغراب والإعجاب معاً أنهم يبذلون مجهوداً عظيماً في إنشاء سبع دور للتمثيل في الحدائق وفي بعض الأماكن الأخرى حيث تمثل في أيام الآحاد روايات خاصة يحضرها الأطفال فقد وذلك بلا مقابل. ولقد ذهبت إلى إحدى هذه الدور في حديقة الحيوانات وهنالك رأيت أحوال ألف طفل لا يتجاوزون الرابعة عشر وكلهم يتبعون باهتمام زائد تمثيل رواية اسمها عشة العم تم ثم إني تجولت فيما بينهم لأتبينهم وأرى حالهم فإذا بهم - والحق يقال - يضارعون أترابهم ونظائرهم في لندن.
* * *
ولتعلم أن روسيا غنية جداً من ناحية التحف وكنوز الفنون. ولقد كان قلبي منقبضاً حزيناً وراسي مفعماً بأخبار الممالك الغربية ومفترياتها عن البلشفيك وكنت موجساً خيفة مما عسى أن يكون قد حل بهذه النفائس. ولكن عيني كذبت تلك الأقاويل وأرجعت لي طمأنينتي. فإن كنوز الاسكندر ومحتويات المتاحف الآخر، ما زالت محفوظة مصونة معتنى بأمرها. وقد أرسلت جميعها على موسكو لتكون في مكان مكين وحرز حريز، ولقد كانوا يودون أن ينشؤوا لها متحفاً في موسكو ولكنهم عدلوا عن ذلك لأن النفائس حق من حقوق بتروغراد وليس من العدل والذوق أن يسلبوا مدينة حقها، ولذا كانت مصونة حتى ترد إلى صاحبتها في الحين المناسب.
أما معرض صور تيرتيا كوفسكي في موسكو، فهو اليوم أغنى منه في أي وقت آخر، ولقد زرته فأليفته غاصاً بالمتفرجين - وأغلبهم من الجنود - ووجدت جماعة المرشدين يقومون بوظائفهم بمهارة فائقة، ولطف ليس وراءه زيادة لمستزيد، ولقد جمعت أنفس الصور ومجموعاتها من بيوت الأفراد كما أنه قد أعد متحف خاص لأعمال الزخرفة والبناء والأثاث، والكل معنى به عناية عظمى ومصرح للجميع بالتفرج عليه.
وإني هنا أعترف بأن مبادئ البلشفيك ونظاماتهم أبعد ما يكون عن فكرة أماتة الفنون والقضاء عليها بل إنها ستكون سبباً في إنمائها وتهذيبها وإعلاء شأنها. وحسبي ما قاله لونا كارسكي وهو يتكلم عن المسارح والفنون الجميلة حيث قال لي: إن لدينا مواد صالحة لن ندعها تذوي وتموت ونحن سكوت راضون.