للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وعدو لها عن سنة الوفاء بالعهد.

وبعد تهدئة روعها شيئاً قلت لها (كلا يا سيدتي ما أظن التقائي بك اليوم كان عن طريق الصدفة. ولكنه كان مدبراً بحكم العناية الإلهية التي لا تزال تجمع بين المحزونين المنكوبين - أهداف النحس وأغراض البؤس وتضم بين الأكف المرفوعة إلى الله! فلا تندمي على ما كان من دعوتك إياي وحديثك لي وليس على أمريء يصغي إلى حديثك من بأس ولا عار عليه إن جرت على شكواك دموعه. وضاقت الزفرات المتصاعدة ضلوعه. فاعلمي أن السر الذي أفضيت به إلي إنما هو دمعة تحدرت من جفونك فسقطت على فؤادي وستبقى أبداً هنالك واسمحي لي يا سيدتي بزيارتك كرة أخرى لأشاطرك همومك وأقاسمك أحزانك.

وبلغ من شدة عطفي عليها ورثائي لها أن خرجت من سجيتي وشيمتي وعانقتها بلا تبصر ولا روية. ولم يجل بخاطري أن ذلك يسوؤها والواقع أنها لم تكترث له قط ولا رأته إلا أمراً اعتيادياً محضاً.

وكان السكوت قد ضرب أطنابه في المنزل الذي كانت تقطن فيه مدام ليفازير وقد فرش فناؤه بالقش لمرض كان أصاب أحد سكانه حتى لا يحدث مرور المركبات والبهائم ضوضاء فتزعج ذلك المريض وتهيج أعصابه. وكنت ملتصقاً بها أضم عليها ذراعي وقد أسلمت قلبي إلى أمتع العواطف النفسانية - أعني عاطفة الحزن المشترك واللوعة الموزعة.

وتماد بنا الحديث بلهجة أخوان الصفاء وأخدان الإخاء. فتشاكينا آلامنا وأوجاعنا وأحسست بين ملتقى هذا الحزنين المتلاطمين كأنما هب على قلبي نسيم لين من ملكوت الرحمة يأسو جراحي وينفي أتراحي وكأنما قد هتف بي صوت رخيم من عالم الخلد كموسيقى السموات ونغمة الملائكة قد تألف من أنات النفس الإنسانية وحنات الروح البشرية يسكن لوعتي ويطفئ حرقتي. ولكني في أثناء هذا العناق والبكاء لم أكن أبصر من جسم هذه المرأة سوى وجهها. فلما نهضت من جانبها وذهبت عني خطوات ظهر لي أنها تعمدت في أثناء انحنائي عليها وتحدبي فوقها أن ترفع رجلها على صفة الموقد رفعاً أدى إلى إسقاط أزارها حتى انكشفت ساقها وتعرت.

وأعجب من هذا أنها بالرغم مما شاهدت علي من أثر الارتباك والخجل والحيرة عندما