للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أبصرت ساقها عارية - لم تحرك ساكناً ولم تحاول ستر عورتها فتنحيت جانباً وزويت نظري عن هذا المنظر الأليم ريثما تستر نفسها ولكنها لم تفعل فعدت إلى صفة الموقد فارتفعت عليها وجعلت أنظر إلى تلك العورة نظرة المشمئز المتأفف وأخيراً وقعت عيني على عينها فأدركت من ألحاظها أنها قد عرفت كل ما وقع وجرى وأنها أتته عامدة قاصدة. فدهشت وبهت وأصابني كالصاعقة، إذ علمت أن كل ما أتته المرأة من بثها الشكوى إلي واستدارز رأفتي ورحمتي لم يكن إلا تصنعاً أرادت به غشي وخديعتي وقصدت به إلى استدراجي واستهوائي وإيقاعي في حبائل كيدها. فلما تجلت لي الحقيقة غراء واضحة تناولت قبعتي دون أن أنبس بكلمة واحدة وإذ ذاك أصلحت هي هيئتها وسترت ساقها، وخرجت من الغرفة بأسرع ما في طاقتي.

ولما بلغت منزلي ألفيت وسط حجرتي صندوقاً كبيراً من الخشب. وذلك أن إحدى خالاتي توفيت وأورثتني شيئاً زهيداً من متاعها. وكان بين محتويات هذا الصندوق بضعة كتب تربة. فعولت على قراءة جانب من هذه الكتب إذ كنت في فراغ من الوقت وقد نال مني الضجر وكان معظم تلك الأسفار قصصاً مما ألف في عهد الملك لويز الخامس عشر. وكانت خالتي لما أوتيت من الورع والتقى ترفعت عن قراءة تلك القصص إذ كانت تلاوة أمثالها ضرباً من الفجور والمنكر.

وليعلم القارئ أن من دأبي وديدني أني أطيل التأمل في كل ما يقع لي من الحوادث مما دق وحقر ثم أعزو حدوثها إلى سبب قوي وحكمة بليغة من الأقدار التي أعتقد أنها تسير في كل ما تخصني به من الأحداث على نظام وتدبير - لذلك تراني إذا جلست أتذكر ما مر بي من الحوادث ضممت بعضها إلى بعض في نساق منضود كأنها فرائد العقد النظيم - يربطها سلك واحد من المناسبة والملاءمة قد أبرمته يد العناية والتدبير الإلهي.

ليعجب القارئ ما شاء فما عجبه بما نعي أن أقول أن ورود هذه الكتب وقع مني في تلك الظروف التي وصفتها أجل موقع وأعظمه. فأسرعت فيها التهاما لمشمولاتها أسراع النار في اليراع وانتهبتها انتهاباً وأنا أثناء ذلك بحال جمعت بين لوعة الكمد ولذعة اليأس. وقلت لهذه الكتب مناجياً ألا فحياك الله وأبقاك على مدى الأزمان فإنما أنت على هدى وسواك على ضلال. فمن ثناياك يفيض نور اليقين. وبين سطورك يشرق البرهان المبين. وفي كل