والمذهب الذي تشير عليهم باتباعه هو: عليكم بالفسق والفجور والدعارة فإنها منفاة الهموم ومسلات المحزون والمغموم! هذه هي موعظة المدن لبني الإنسان وهذا هو إنجيلها ووحيها المنقوش على جدرانها بتراب الفحم وعلى أرضها بالأوحال وعلى وجوه أهلها بالدماء.
وكنت إذا شهدت محافل الرقص في فاخرات القصور فأبصرت الغانيات في الحلل والخمر والزرق والبيض يتوثبن بأقدام خفاف لطاف حاسرات الأذرع والصدور. منشورات الذوائب والشعور. كأنهن الملائكة قد ثملت بخمرة النور في فلك النغم والجمال - قلت في نفسي يا لكن الله أيتها الحسان؟ لأنتن والله بستان أي بستان! فأي رياحين أنتن اليوم مشمة وقطاف! ولكن خيرنني ماذا تقلن للعابث بكن إذ ينتزع آخر ورقة من ورقاتكن. أفلا تقلن له ترفق بنا وتحنن وابق فينا على البقية الباقية! لا بأس عليكن. هذه سنة الوجود - وهذا ختام حياتكن الفرحة المرحة وهذه غاية ضحكاتكن وابتساماتكن إلا فاعرفن أنه فوق أعماق هذه الهاوية السحيقة الهائلة ينتشر نسيجكن الحريري المهلهل المكلل بالأزهار والرياحين ويرفرف! وعلى شفا جرف هذه الهاوية تتوثب أقدامكن الخفاف وتتنزي!.
لقد قال لي مرة صاحبي ديزينيه لماذا تنظر إلى هذه الحياة النظرة الجدية؟ ما هكذا ينظر إلى الحياة غيرك. تقول إن الزجاجات من الخمر تخلو وتفرغ ألا فاعلمن انك واجد بدلاً منها في الكهوف، وإن الكهوف جمة على السواحل ألا فاصنع لي شبكة وزخرفها بخلابة القول وسحر البيان واجعل فيها طعمة من نحلة مجاجة بالعسل وألقها لي في نهر السلوان فصد لي بها مليحة حسناء ذات شماص وملاص يكون فيها عوض مما فاتني من وصل الحسان وفيها عزاء وسلوى. فإن أفلتت مني وأملست فإن الشبكة باقية. تقول لي الحب الحب، لا تزال تلهج بذكره. هلا دريت يا مفتون أن الحب اسم بلا مسمى ولفظ بلا معنى وخيال كاذب ووهم باطل! فكبر ظني أنك ستقتل نفسك حسرة في أطلابه ثم لن تنال شيئاً. هلا علمت أن الشباب دائب في انقضاء والصبا إلى الزوال. مهما امتد به الأمد وطال. فلو حزمت ورشدت لعمدت إلى ملكة البور تغال استبيتها بدلاً من إضاعة الوقت في دراسة التشريح والطب.
فهذه وأمثالها كانت نصائحه إلي وكنت إذا أنفضت تلك الحفلات والمراقص مضيت إلى داري.