للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

القرون الوسطى القوة المقاومة لهمجية جبابرة الظلم والطغيان أعني الأمراء والفرسان الآنفي الذكر.

بيد أن قصوى غاية المسيحية وأهم أغراضها ليس هو توفير الملذات في هذه الحياة الدنيا وإنما هو ترشيح أهلها لاستجلاب النعيم في الآخرة. فالمسيحية ترمي إلى غاية وراء هذه الحياة القصيرة الفانية وتتجاوز ببصرها هذا الحلم الطائف إلى موطن السعادة الأبدية والنجاة السرمدية. فمذهبها من هذه الوجهة مذهب الفضيلة المحضة المطلقة - وهو مذهب لم تعهده أوروبا قبل المسيحية كما قد بينت لك عند المقارنة بين ديانة القدماء ونظامهم الأخلاقي وبين المسيحية ونظامها الأخلاقي.

الفيلسوف - هذا صحيح من الوجهة النظرية فقط ولكن انظر إلى الأعمال والآثار، ألا ترى أن أوروبا القديمة كانت بلا شك أقل قسوة من القرون الوسطى وما ارتكب فيها من إزهاق النفوس بأنكل ضروب التعذيب وبالإحراق بالنيران الحامية. . . . هذا ولا ننسى ما كان عليه القوم القدماء من فضائل الصبر والاحتمال والجلد وشغفهم بالحق والدفاع عن حوزته وحب الأوطان والاستبسال في الذود عن حياضها وتحليهم بصنوف المكارم والمحامد حتى أصبح النظر في آدابهم وآرائهم وفي مذاهبهم وفي أعمالهم وآثارهم يعد من أفضل دراسة الأخلاق والآداب. ثم انظر هل كانت الحروب الدينية والمذابح والحروب الصليبية ومحاكم التفتيش وغيرها من الضيم والاهتضام والاضطهاد واستئصال سكان أمريكا الأصليين وإحلال رقيق الزنوج محلهم - فهذه كلها ثمار المسيحية ولا ترى في سيرة القدماء ما يشبه أدنى شيء من هذا أو يوازيه فأما الرقيق عند القدماء فما كانوا من الرق من شيء وإنما كان ذاك من حيث هذه الدلالة لفظاً بلا معنى واسما بلا مسمى إذ كان أولئك الأرقاء قوماً في رخاء عيشهم وفي سهولة وفي بلهنية وفي رغد قد نعموا بغبطة ألمن والطمأنينة جزاء إخلاصهم ووفائهم لسادتهم فالفرق بينهم وبين أشقياء رقيق الزنوج الذين هم وصمة في وجه الإنسانية ولوثة في عرضها كالفرق بين الفريقين في اللون أما ما يعاب على القدماء من استهانتهم بأمر اللواط وتسامحهم فيه مع أنه إثم ومنكر فهذا شيء يسير جداً في جانب ما عددت لك من فظائع المسيحية - على أن اللواط بعد ليس بالأمر النادر بين أهل العصر الحاضر كما يتوهم البعض.