للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وسخريتهم ويجعلنا - ونحن أهل ذلك - أضحوكة في نظرهم وهدفاً لسهام تنديدهم وتبكيتهم - وهي سخرية قد كان قدماء اليونان يشاركونهم فيها لو أنهم بقوا إلى هذه الساعة. أجل لقد وصل الأمر في العصور الوسطى المظلمة (التي تسمونها كذباً ذهبية) إلى أن الفرسان صاروا يعبدون المرأة عبادة ذات مراسم ومناسك مرتبة ومنظمة. ويأتون في سبيل عبادتها ما يسمونه آيات البطولة وقام الشعراء يتغنون في النسيب بالأشعار الغنائية وما شاكلها من السخافات على أن هذه الأناشيد والأغاني كانت مما امتازت به فرنسا بينما الألمان الأبلد طباعاً الأجمد شمائل كانوا أميل إلى إدمان الشرب وإدمامة السطو والنهب يملأون أجوافهم بالخمور ويفعمون من الأسلاب والغنائم الدور والقصور، دأبهم ذلك وديدنهم طول أعمارهم. ولم تخل سوامرهم وأنديتهم أيضاً من سخيف الأشعار الغزلية. والأناشيد الغنائية. وهذا كله ثمرة الهجرة والنصرانية.

الفقيه - أجل إن هجرة أولئك الشعوب الآسيوية البربرية هي التي أرسلت هذا السيل الجارف من تلك الأمم الوحشية فأطفأت به سراج المدينة اليونانية الوهاج وطمست معالم هذه الحضارة الزهراء. وأعادت الصلاح فساداً ورواج الفنون والمعارف كسادا. ولكن خبرني بماذا عاد الأمر إلى صلاحه. وتمكن في نصابه بعد التقوض عماد نجاح الأمر وفلاحه؟ بالديانة المسيحية. لقد أصيبت مدينة أوروبا القديمة من هجرة الآسيويين بالداء. ثم ظفرت من ظهور المسيحية وانتشارها بالدواء. فالمسيحية هي التي كبحت جماح أولئك الشعوب الوحشية الهمجية وقمعت غلواءهم وردت عرامهم وراضتِ شمائلهم وألانت من غلظة أكبادهم وملست من خشونة جوانبهم. وغير خاف أن أول ما يجب في تأديب الهمجي وتهذيبه هو تعليمه كيف يسجد ويركع. ويبتها ويتضرع ويطبع ويخضع. إذ ليس إلا بعد ذلك يمكن تمدينه وتحضيره. وهذا ما قد حصل في ايرلندة على يدي القديس باتريك وفي ألمانيا على يدي وينفريد السكسوني أجل لم يكن شيء سوى هجرة الشعوب الآسيوية في قديم الزمان - تلك الهجرة التي حاول عبثاً أن يعيدها في عهد أحث الغزاة الجبابرة عطيل وكنجبز خان وتيمور لنك (ثم طوائف الغجر بشكل هزلي) - لم يكون شيء سوى هجرة تلك الشعوب ما اجتاح مدينة أوروبا القديمة وأبادها. ثم جاءت المسيحية فكانت القوة المقاومة لهذه الهمجية العاملة على استئصالها مثلما غدت فيما بعد ذلك أعني من خلال