للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

كانت شواهد الأحوال تدل على تجدد القتال بأفظع مما كان وأشنع وكان اليهود بعد غارة حبلة قد قبلوا حماية عرب المدينة ثم أخذوا يجددون ما درس من بأسهم وشوكتهم ويستجمعون ما انتشر من أمرهم، وشرعوا يهددون أقرانهم الوثنيين بانتقام المسيح الذين كانوا يزعمون أنه عما قريب سيظهر وأنهم يرتقبون مطلعه من آونة إلى أخرى، وكانت قبائل الأعراب المحيطة الذين كان لقريش عليهم السيطرة التامة قد تألبوا من صوب وجدب على عرب المدينة وتمالأوا عليهم. فما كاد محمد ينزل المدينة حتى بدت للعيان تلك الأخطار المهددة للديانة الجديدة الإسلام - وكان المهاجرون (أعني الصحابة المكبين) أولئك الذين استقبلوا الموت واستهدفوا للمنون من أجل سيدهم وما ابتعث من النور في صدورهم ثم كابدوا من بعد ذلك آلام النفي والاغتراب والحَرب والاستلاب - أولئك كانوا الفئة القليلة يكادون يعدون على الأصابع. هذا شأن المهاجرين، وما كان الأنصار أهل المدينة بأمثل ولا أجزل لقد كانوا لقد كانوا أكثر بلا شك من المهاجرين ولكنهم لم يكونوا بالجم الفقير والعديد المجمهر وكانوا فوق هذا منقسمين بعضهم على بعض تدب بينهم عقارب التحاسد وتسعى بينهم أفاعي التضاغن والتحاقد. وكان في المدينة حزب قوي تحت زعامة رجل. عظيم النفوذ يطمح إلى عرش المدينة وهذا الحزب كان للكفار مؤازر، أضف إلى ذلك أن اليهود وقد اتحدت كلمتهم جعلوا يكيدون لمحمد تارة بالسم وتارة بالدسائس ولكن ذلك القلب الجريء الذي لم يتزعزع حين هددته بالموت قريش بقي ثابتاً متماسكاًُ إذ أصبح يرى حوله شيعة مخلصين لا يجدون لهم ملاذً غيره ولا عصمة سواه.

لذلك نرى محمداً في هذه الأزمة قد ظل يجمع بين تلك العناصر المتنافرة والقوات المتخاذلة المتناكرة التي التفت حوله مؤمنة به وبرسالته فألف منها هيئة موحدة متينة الروابط وثيقة العرى فأقام القضاة المحكمين بين هذا المجتمع بدلاً من السنة الانتقالية الثأرية التي كانت شائعة بين عرب القبائل وكانوا لا يعرفون غيرها. . وقضى عل العصبة القبائلية فمحا بذلك مذهب التفريق بين أوس وخزرج فأصبحنا قبيلة واحدة. وإضافة إلى ذلك اتبع خطة التسامح مع من كان في جمهوريته الجديدة من اليهود والنصارى فوسعهم في مدينته مسوياً بينهم وبين شيعته من اتباع دينه. ونثر بذور المودة والإخاء بين الفئات المختلفة من حملة الكتب السماوية جميعاً. فصرح أن الكل سواء في نظر الخالق إن الذين آمنوا والذين هادوا